للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا العسكر؛ يعني أن العسكر أي الجيش ينوي إقامة أربعة أيام صحاح فأكثر؛ وهو بدار الحرب؛ أي دار الكفار الحربيين لا يزالون يقصرون، ومثل دار الحرب دار الإسلام حيث لا أمن. وقوله: "إلا العسكر"، قال اللخمي: إلا أن يكون العسكر العظيم. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وقال الشيخ عبد الباقي: (وقد أقام صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف سبع عشرة ليلة، وبتبوك عشرين يقصر (١)). وبما قررت علم أن الاستثناء من قوله: "ونية إقامة أربعة أيام صحاح" أو العلم بها عادة؛ يعني أن حكم السفر يقطعه العلم بإقامة أربعة أيام بحسب العادة، ولو لم ينوها، كما علم من عادة الحاج إذا دخل مكة أن يقيم أربعة أيام. وقوله: "أو العلم"، احترز به عن الشك فيها، فيستمر على قصره؛ لأن من خوطب بالقصر لا ينتقل للإتمام بأمر مشكوك فيه، كما أن من خوطب بالإتمام لا ينتقل للقصر بمشكوك فيه، وسيأتي مزيد كلام على هذا عند قوله: "وإن بآخر سفره".

لا الإقامة؛ يعني أن الإقامة المتجردة عن نية إقامة أربعة أيام فأكثر لا تقطع حكم السفر، وإن تأخَّرَت؛ يعني أن الإقامة العارية عن النية المذكورة لا تقطع حكم السفر وإن كثرت، وهذا نحو قول الباجي: وإن كثرت الإقامة. وفي بعض النسخ: وإن بآخر سفره بالباء الوحدة، وهو نحو قول ابن الحاجب: ولو في منتهى سفره؛ واعترضه ابن عرفة برواية اللخمي عن مالك: من قدم بلد البيع لتجر شاكا في قدر مقامه أتم؛ لأن رجوعه ابتداء سفر، إلا أن يعلم رجوعه قبل الأربعة، خلاف قول ابن الحاجب: إن لم ينو أربعة قصر في غير وطنه. نقله الحطاب. ومثله في المعيار، قال: وقد وقع الغلط في هذه المسألة لكثير فنقلوها على غير وجهها، ومن نوازل ابن طركاك (٢): سئل الأستاذ أبو القاسم ابن سراج عن المسافر في البلد الذي لا يدري كم يجلس، هل يبقى على قصره أم لا؟ فأجاب: إن كان في أثناء سفره قصر مدة بقائه فيه، وإن كان في منتهاه أتم. اهـ. وذكر نحوه أيضا في أجوبة ابن لب. والله أعلم. قال الحطاب: ويمكن أن يقال إن كلام ابن


(١) السنن الكبرى للبيهقي، ج ٣ ص ١٥١/ ١٥٢.
(٢) في البناني طركاط.