للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم عرفة قال الشيخ عبد الباقي: بمسجد يقصد أنه سنة ذلك اليوم، والتشبيه بأهل الموقف لا بزوايا القرافة بناء على أنها ليست مساجد، ولا إن قصد اغتنام فضلية الوقت ودعاء المجتمعين، فلا كراهة. وقوله: "واجتماع لدعاء يوم عرفة"، ويقاس الذكر أيضا على مطلق الدعاء، وأجازه أشهب. وكان يفعله بجامع عمرو بمصر. قال سحنون: فحضرته، وكان يصلي جالسا؛ يعني النافلة، وفي جانبه صرة يعطي منها السؤال، فإذا بيد سائل دينار مما أعطاه، فذكرته له، فقال: أوما كنا نعطي من أول النهار؟ وأجازه ابن عباس، وكان يفعله. وقيل: هو أول من فعله تشبيها بأهل عرفة، وسئل عنه أحمد بن حنبل، فقال: أرجو أن يكون خفيفا، وفعله جماعة من السلف، وكرهه منهم جماعة منهم نافع مولى ابن عمر، وإبراهيم النخعي، وحماد، ومالك بن أنس. وفي عمل اليوم والليلة: (من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة حفظه الله من عرفة إلى عرفة (١)). وفي منسك الخطيب: من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يوم عرفة ألف مرة، أعطاه الله ما سأل، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: (اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسمه، وفاضت لك عيناه، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسؤولين ويا خير المعطين (٢)). وقوله: "واجتماع لدعاء" الخ، قال الإمام مالك رحمه الله: لأنه من البدع المحدثة، وفهم من قوله: "اجتماع"، عدم كراهة الانفراد لذلك، وهو كذلك. قال ابن القاسم عن الإمام مالك في العتبية: وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة للدعاء في المساجد، ومقام الرجل في منزلة أحب إلي، قال الشبراخيتي: وذكر الشيخ في شرحه أنه ينبغي أن يخص كراهة ذلك بمن يفعله على أنه من سنة ذلك اليوم، فأما من فعله لا على هذا الوجه فلا يكره، كما ذكره ابن رشد


(١) الترغيب، ج ٢ ص ١٠١.
(٢) الإتحاف، ج ٤ ص ٣٧٥.