للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقراءة بتلحين؛ يعني أنه تكره قراءة القرآن العظيم بتلحين؛ أي تطريب لا يخرجه عن كونه قرءانا، فإن أخرجه عنه إلى كونه كغناء بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات عنه كقصر ممدود ومد مقصورت أو تمطيط يخفى به اللفظ أو يلتبس به المعنى، فإنه يحرم ويُفَسَّقُ به القارئ، ويأثم به المستمع؛ لأنه أي القرآن عدل به عن منهجه القويم إلى الاعوجاج، قال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}. قاله الماوردي. ونحوه في المدخل، وزاد: وإذا كثر الترجيعات وزاد الأمر حتى صار لا يفهم معناه فهو حرام اتفاقا، كما يفعله القراء بالديار المصرية، يقرؤون أمام الجنائز والملوك، وقوله: "وقراءة بتلحين"، هو المشهور من مذهب مالك، وهو مذهب الجمهور، وذهب الشافعي إلى جواز القراءة بالتلحين، واختاره ابن العربي، وقال: إنه سنة، وقال: إن كثيرا من فقهاء الأمصار استحسنه، وسماعه يزيد عظة بالقراءة وإيمانا، ويكسب القلوب خشية وقد ثبت أن أبا موسى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (لو علمت أنك تسمعني لحَبَّرْته تحبيرا (١) وقال الإمام النووي: الذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع. انتهى. الأبي: تحسين الصوت بالقرآن غير قراءة الألحان فتحسين الصوت به تزيينه بالترتيل والجهر، والتحزين والترقيق والترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهيل وتبيين الحروف والحركات، والتحزين ترقيق الصوت والخشوع والتباكي، وذلك إنما ينشأ عن تأمل وعيده ووعده، يقال: قرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين، وأورد على المشهور خبر: (زينوا القرآن بأصواتكم (٢))، وأجيب بأنه مقلوب، وأصله: (زينوا أصواتكم بالقرآن)، كما ورد ذلك في بعض طرقه (٣). وخبر: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن (٤))، معناه لم يتلذذ بسماعه كتلذذ أهل القينات بسماعهن. ابن ناجي: هذا أحسن ما قيل فيه. انتهى. وقيل معنى الحديث: ليس منا من لم يستغن بالقرآن؛ أي من لم ير نفسه أفضل حالا من الغير لغناه


(١) الإتحاف، ج ٤ ص ٤٩٩.
(٢) أبو داود، كتاب الوتر، رقم الحديث: ١٤٦٨.
(٣) المستدرك، ج ١ ص ٥٧٢.
(٤) البخاري، كتاب التوحيد، رقم الحديث: ٧٥٢٧.