«لقد تحقق هدف الحرب الصليبية وبدون إراقة دماء». لقد تحررت الأماكن المقدسة: القدس، بيت لحم، الناصرة، وكذلك الطريق المستخدم في الحج من الشاطئ مخترقًا الجبل وصيدا وقيصرية ويافا وعكا.
أما القدس التي تضم عددًا كثيرًا من الأماكن الإسلامية المقدسة، فقد أعلنت مدينة مقدسة للطرفين فهي مقدسة للمسلمين أيضًا. وهكذا شرح صلاح الدين لقلب الأسد ريتشارد: أن القدس أكثر قداسة بالنسبة لنا منكم، فمن هناك بدأت قصة الإسراء وتجمعت الملائكة، لذلك نجد مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى في الحرم الشريف والمعبد الذي يحتفظ به المسلمون، كما أبيح للمسيحيين إقامة صلواتهم به، كما هو الحال مع المسلمين في بيت لحم. إن الحجاج من المسلمين والمسيحيين يجب أن يسود بينهم الحب والاحترام، كما يجب أن يحترم كل فريق حقوق الفريق الآخر وكل يعبد الله حسب طريقته.
إن مثل هذه الفكرة بديهية وطبيعية عند العرب، لكن من وجهة النظر الأوربية عبارة عن نقطة تحول في التفكير العالمي. فقد أخذت تتلوها آراء جديدة أخرى كما ظهر منادون يدعون إلى السلام وحل المشكلات المتنازع حولها عن طريق المفاوضات لا القوة وبخاصة فيما يتصل بمسألة العقائد واستنكار الوسائل المتبعة ضد الوثنيين في نظر الكنيسة المسيحية، والعمل على إيقاف عملية اضطهادهم واستئصالهم. وكان من زعماء المنادين بهذه المبادئ «فولفرام فون اشينباخ» والسير «روجير بيكون» والملك ألفونس العاشر صديق العرب، وكذلك «فرنسيسكوس فون أسيسي» وهو الذي كان ينادي في قصر السلطان الكامل مبشرًا بكلمة الله ولو أنه لم يحرز نجاحًا كبيرًا. واستجابة لسياسة القيصر وتأييدًا لها نجد هذا النداء الذي نادى به التروبادور الفرسان ووصفوه بأنه طبيب أوربا الماهر.
فالسلام الذي حل بين أصحاب الديانات المختلفة ونشر السعادة في حياة المسلمين والمسيحيين جعلهم يسخرون من الحروب الصليبية وعقلية الصليبيين، هذه العقلية البغيضة التي فرضتها الكنيسة على أتباعها. وقد تجلت هذه الروح الجديدة في القضية التي أقامها البابا على سفير القيصر في مدينة ليون حيث أجاب السفير: