أبى ويتهدده بالضرب إلى أن بلعه كارهًا أحد المركنين بأسره والرجل يستغيث فلا ينفعه مع الرازي شيء إلى أن قال: الساعة أقذف، فزاد الرازي فيما يكبسه في حلقه فذرعه القيء فقذف، وتأمل الرازي قذفه فإذا فيه علقة، وإذا هي لما وصل إليها الطحلب قرمت إليه بالطبع وتركت موضعها والتفت على الطحلب. فلما قذف الرجل خرجت مع الطحلب ونهض الرجل معافى».
إن كفاية الرازي الطبية لا تعدلها كفاية طبيب آخر منذ عهد جالينوس، فقد كان الرازي لا يمل العمل ولا يعرف الكلل في سبيل اكتساب المعرفة والتوسع في معلوماته الطبية ليس فقط حول أسرة المرضى الذين كانوا دائمًا يحظون برعايته بل بالاطلاع وإجراء الأبحاث الكيماوية إذا ما آوى مرضاه إلى مضاجعهم، ولم يقف أمر عند هذا بل كثيرًا ما قام بالأسفار البعيدة وراء البحث والاطلاع فكان على اتصال دائم بفطاحل علماء عصره، كما اشتهر بحثِّه طلابه على التحلي بجميل الأخلاق وكريم الصفات فمهنة الطب شريفة لا يرعاها إلا الطبيب الشريف؛ لذلك كثيرًا ما حذره تلاميذه كتابيًا وشفويًا من أعمال النصب والاحتيال، وهكذا أصبح الغلام الذي كان يحاول التكسب عن طريق الموسيقى والصيرفة طبيبًا عالميًا مشهورًا موضع عطف الأمراء وتقديرهم. كان الرازي حبيب الشعب وصديقه ومعبود الفقراء والمحتاجين، فقد كان يعالجهم بدون أجر ويعاونهم على الشفاء من ماله الخاص بينما يقنع هو بالقليل اليسير.
لقد توفي عام ٩٢٥ م فقيرًا معدمًا فكرمه الحاتمي أوصله إلى ما يقرب من التسول، وحسد زملائه وحقدهم عليه ودسهم له دينيًا وسياسيًا أقصاه من مختلف الأعمال والوظائف التي كان يعيش منها سواء في بغداد أو الري.
لذلك حنت عليه أخته خديجة بعد أن عضته الفاقة وأصبح من المتعذر عليه إيجاد قوته اليومي وآوته إلى بيتها. وهكذا نجد الرازي وقد غربت شمس حياته بمضي الأيام الأخيرة في بؤس وشقاء بينما خلف وراءه أيامًا كلها سعادة وهناء. الرازي الذي ساعد الآلاف فقد بصره وأصبح ضريرًا بسبب السياط الذي ألهب بها ظهره حاكم خراسان المستبد المنصور بن إسحق، لأنه قام ببعض التجارب الكيماوية ولم ينته فيها إلى نتيجة. ولا شك في أن هذا السياط هي التي أدت إلى فقدانه بصره.