للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيَّ اللَّه فقلتُ: يا نبيَّ اللَّه، إنّ أبي أُصيب يومَ كذا وكذا وترك عليَّ دَينًا من التّمر، واشتدَّ عليَّ بعضُ غُرَمائه في التقاضي، وأُحِبُّ أن تُعينَني عليه لعلّه يُنْظِرُني في طائفة من تمره إلى هذا الصِّرام (١) المقبل. فقال: "نعم، آتيك إن شاء اللَّه قريبًا من وسط النهار". فجاء وجاء معه حواريّوه، ثم استأذنَ فدخل، وقد قلتُ لامرأتي: إنّ نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءَني في اليوم وسطَ النهار، فلا أرَيَنَّكِ، ولا تؤذي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شيء ولا تُكَلِّميه، فدخلَ وفرشْتُ له فراشًا ووسادة، فوضع رأسه فنام. قال: قلتُ لمولى لي: اذبح هذه العَناق، وهي داجنٌ سمينة. والوَحَى، والعَجَل (٢)، وافرُغ ْمنها قبل أن يستيقظَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنا معك، فلم يزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم، فقلت: إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استيقظ يدعو بالطَّهور، وأنا أخاف إذا فرغَ أن يقومَ، فلا يفرُغَنَّ من وضوئه حتى نضعَ العَناق بين يدَيه، فلمّا استيقظَ قال: "يا جابر، ائتِني بطهور" فلم يفرغُ من طهوره حتى وَضَعْتُ العَناقَ عنده، فنظر إليَّ فقال: "كأنّك قد علمتَ حبَّنا للَّحم، ادْعُ لي أبا بكر" قال: ثم دعا حواريِّيه الذين معه، فدخلوا، فضربَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده وقال: "باسم اللَّه، كلوا" فأكلوا حتى شَبِعوا وفَضَلَ لحم منها كثير.

قال واللَّه إنّ مجلس بني سَلِمة لينظرون إليه وهو أحبُّ إليهم من أعينهم، ما يَقْرَبُه منهم رجلٌ مخافةَ أن يُؤذِيَه. فلمّا فرغوا قام فقام أصحابه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: "خلِّ ظَهري للملائكة" واتبَعْتُهم حتى بلغوا أُسْكُفَّة الباب، قال: فأخرجتِ امرأتي صدرَها -وكانت مستترة بسَفيف (٣) في البيت. قالت: يا رسول اللَّه، صلِّ عليّ وعلى زوجي، صلَّى اللَّهُ عليك. فقال: "صلَّى اللَّه عليكِ وعلى زوجك" ثم قال: "ادْعُ لي فلانًا" لغريمي الذي اشتدَّ عليّ في الطّلَب. قال: فجاء فقال: "أَيْسِرْ جابرَ بن عبد اللَّه طائفةً من دَينك الذي على أبيه إلى الصِّرام المُقبل" يعني إلى المَيْسَرة. قال: ما أنا بفاعل. واعتلّ وقال: إنّما هو مالُ يتامى. فقال: "أين جابر؟ " قال: أنا ذا يا رسول اللَّه. قال: "كِلْ له، فإنّ اللَّه سوف يُوفيه" فنظرتُ إلى السماء فإذا الشمسُ قد دَلَكَتْ (٤)، قال: "الصلاة يا أبا بكر" فاندفعوا إلى الصلاة، فقلْتُ: قرِّبْ أوعيتَك. فكِلْتُ له من العجوة، فوفّاه اللَّه عزّ وجلّ،


(١) الصّرام: قطع الثمر.
(٢) الوحى: السرعة. وهو أسلوب حثّ.
(٣) السفيف: نسيج الخوص.
(٤) دلكت: زالت.

<<  <  ج: ص:  >  >>