للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم- بضَرب عنقها لأَضْرِبنّ عنقَها، وَرفَعْتُ صوتي، فأومأ إليّ: أن ارْقَه. فدخلْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مضطجع على حصير، فجلَسْت، فأدْنَى عليه إزاره وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبه، فنظرتُ في خزانة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قَرَظ (١)، وإذا أفيق معلّق. قال: فابْتدَرَت عيناي، قال: "ما يُبكيك يا ابن الخطّاب؟ " قلت: يا نبيَّ اللَّه، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول اللَّه وصفوته، وهذه خزانتك! فقال: "يا ابن الخطّاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا؟ " قلت: بلى. فقلت: يا رسول اللَّه، ما يَشُقُّ عليك من شأن النساء، فإن كنتَ طلَّقْتَهُنّ فإنّ اللَّه معك وملائكتَه وجبريلَ وميكالَ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلَّ ما تكلَّمْتُ -وأحمدُ اللَّه- بكلام إلا رجَوْتُ أن يكونَ اللَّهُ عزّ وجلّ يُصَدِّقُ قولي. ونزلت هذه الآية: آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: ٥] {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٤] فقلت أطَلَّقْتَهما؟ قال: "لا" (٢). فنزل نبيّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونزلْتُ أتشبَّثُ بالجِذع، ونزلَ رسول اللَّه كأنّما يمشي على الأرض ما يَمَسُّه بيده. فقلت: يا رسول اللَّه، إنما كُنْتَ في الغرفة تسعًا وعشرين. فقال: "إنّ الشهر يكون تسعًا وعشرين". فقمت على باب المسجد، فناديْتُ بأعلى صوتي لم يُطَلِّقْ نساءه. ونزلتْ هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] فكنتُ أنا استنبطتُ ذلك الأمر.

انفرد بإخراجه مسلم (٣).

والقَرَظ: ما يُدبغ به.

والأفيق: الجلد لم يَتِمّ دباغه.


(١) في مسلم "ومثله قرظًا، في ناحية الغزفة".
(٢) حذف المؤلّف عبارات من الحديث.
(٣) مسلم ٢/ ١١٠٥ (١٤٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>