للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٧٦٧) الحديث الثالث والثمانون: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو نوح قُراد قال: أخبرنا عكرمة بن عمّار قال: حدّثنا سِماك الحنفي أبو زُمَيل قال: حدّثني ابن عبّاس قال: حدّثني عمر بن الخطّاب قال:

لما كان يومُ بدر، نظر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيِّفٌ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- القبلةَ، ثم مدَّ يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: "اللهمَّ أَينَ ما وَعَدْتَني؟ اللهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللهمَّ إنك إنْ تُهْلِكْ هذه العِصابةَ مِنْ أهلِ الإسلام فلا تُعْبَدُ في الأَرض أبدًا" قال: فما زال يستغيثُ ربَّه عزّ وجلّ، ويدعوه حتى سَقَط رداؤه، فأَتاه أبو بكر، فأَخذ رداءَ فردّاه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبيَّ اللَّه، كذاك مُناشدتُك ربَّك، فإنّه سيُنْجِزُ لك ما وعَدَك، وأَنزل اللَّهُ عزّ وجلّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: ٩].

فلمّا كان يومئذٍ والتقَوا، فهَزَمَ اللَّهُ عزّ وجلّ المشركين، فقتِل منهم سبعون رجلًا، وأُسِرَ منهم سبعون رجلًا، فاستشار رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر وعليًّا وعُمرَ، فقال أبو بكر: يا نبيَّ اللَّه، هؤلاء بنو العم والعشيرةِ والإخوان، فإني أرى أَنْ تأْخذَ منهم الفديةَ، فيكونُ ما أَخذنا منهم قوّةً لنا على الكفّار، وعسى اللَّه أَن يَهديَهم فيكونون لنا عَضُدًا. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما ترى يا ابنَ الخطّاب؟ " قال: قلتُ: واللَّه ما أَرى ما رأى أَبو بكر، ولكني أرى أَن تُمَكِّنِّي من فلانٍ -قَريبا لعمر- فأَضرِبَ عُنُقَه، وتمكِّنَ عليًّا من عَقيلٍ فيضرب عُنُقَه، وتمكِّنَ حمزةَ من فلانٍ أَخيه فيضربَ عنقه، حتى يعلَمَ اللَّهُ أَنه ليس في قلوبنا هَوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدُهم وأئمَّتهم وقادَتُهم. فهَوِيَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قال أَبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ، فأَخذَ منهم الفِداءَ.

فلما أنْ كان من الغد، قال عمرُ: غَدَوْتُ إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا هو قاعدٌ وأَبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، أَخبِرْني ماذا يُبكيك أَنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإن لم أَجد بكاءً تباكيتُ لبكائِكما، قال: فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذي عَرَض عليَّ أصحابُك من الفِداء، لقد عُرِضَ عليَّ عَذابُكم أَدْنى من هذه الشَّجرِة -لشجرة قريبة- وأَنزل اللَّه عزّ وجلّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ}. [الأنفال: ٦٧ - ٦٨] من الفِداء، ثم أَحَلَّ لهم الغنائمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>