وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)) (١).
فهذان الحديثان: يشترطان لقبول صلاة التوبة شرطين:
الأول: إحسان الوضوء وإسباغه، وأن يكون موافقًا لوضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا إشارة عظيمة، إلى طلب العلم، لمعرفة كيفية وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتحقيق الاتباع، الذي هو ركن في كل عمل، وشرط من شروط قبوله.
الثاني: أن تكون الركعتان خالصتين لله تعالى، وأن لا يحدِّث فيهما نفسه، ولا يسمح للشيطان أن يوسوس له فيهما، ولا يخطر بباله شيء يسترسل فيه في صلاته، غير ما هو فيه من شغل وعبادة، وإقبال على ربه وتوبة.
موعظة وذكرى:
حدث المزني - أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى - قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت:
كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أم إلى النار؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... وإن كنتُ يا ذا المنِّ والجود مجرمًا
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلتُ الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي ... ويستر أوزاري وما قد تقدما
تعاظمني ذنبي فأقبلت خاشعًا ... ولولا الرضا ما كنتُ يا رب منعَما
فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم لا يزايل مأثما
(١) رواه البخاري (١٥٨) ومسلم (٢٢٦) وأحمد (١/ ٩٥) وغيرهم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.