وعاد إلى المخيم مسرورا محبورا، مقبولا مبرورا، موفورا مشكورا. وقد رتب وربت، وقنب وكتب، وثبت ونبت. قد بر عمله، وأبر أمله. وفاح نشره، ولاح لشره. وتأرج رياه، وتبلج محياه. وأيقن بالظفر وظفر باليقين، وأمن إلى الدعوى المستدعية للتأمين، وتيمن بأوضاح عرابه الميامين، وإيضاح إعرابه في اقتضاء دين الدين. وأنس ببهجة الخيل ولهجة الخير، وسر سره بما سرى له من وجه السير. وشد حزم الحزم، وجد في العزم الجزم. وقدم الإسراج للإسراء، وألجم العراب للعراء.
ورحل يوم الجمعة السابع عشر شهر ربيع الآخر والتوفيق مسايره، والتأييد موازره، والتمكين مضافره، والسعد مظاهره، والجد مكاثره، واليمن محاضره، والعز مسامره، والظفر مجاوره، والإسلام شاكره، والله عز وجل ناصره. وسار على الهيئة التي قدمنا ذكرها من المناقب المقنبة، والكتائب المكتبة، والمراتب المرتبة. والمذاهب المهذبة. والسلاهب المجنبة والصوائب المجعبة. والهواضب المقربة. والثعالب المذربة. واللهاذم الهاذمة. والصلادم اللاذمة. والضراغم الضاغمة.
وخيم على خسفين، وقد أدنى الله الخسف بالعدو وخسوفه، وكسف الكفر وكسوفه. وبات والوجوه سافرة، والعيون في سبيل الله ساهرة، والأيدي لسيوف الأيد شاهرة، والألسن لأنعم الله شاكرة، والقلوب بالإخلاص عامرة، والأنفس للأنس
مسامرة، والأقدام بالأقدار متضافرة متظاهرة.
ثم أصبح سائرا ونول على الأردن بثغر الأقحوانة، بعزم الصيال وعز الصيانة. وأحاط ببحيرة طبرية بحره المحيط، وضاق ببسائط خيامه ذلك البسيط. وبرزت الأرض في قشب أثوابها، وتفتحت السماء لتنزل الملائكة من أبوابها. ورست سفن المضارب على تلك الاثباج، وطمت الاطلاب أمواجا على أمواج، وانعقدت سماء العجاج، وطلعت فيها أنجم الخرصان والزجاج.