وقد بسطت القول في ذلك في كتابي:"أصل الدين والإيمان - عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان" ولله الحمد والمنة.
وأما المنادي في الآية الذي ينادي للإيمان فهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو القرآن. قال محمد بن كعب:(هو الكتاب، ليس كلهم لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -).
وقال ابن زيد:(ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). وقال ابن جريج: زهو محمد - صلى الله عليه وسلم -).
والمعنى: لقد توسّل هؤلاء المؤمنون إلى الله بتصديقهم كتابه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمعوا نداءه إلى الإيمان، فسألوه سبحانه المغفرة وتكفير الذنوب والموت على الإسلام.
وقوله:{وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}. قال القرطبي:(أي أبرارًا مع الأنبياء، أي في جملتهم. واحدهم بَرٌّ وبارٌّ وأصله من الاتساع، فكأن البر متسِع في طاعة الله ومتّسِعة له رحمه الله).
والخلاصة: أنهم سألوا الله اللحاق بالصالحين، الذين برّوا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم لدينه حتى رضي عنهم وأبرهم.
وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعانَ الأنصاري قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِرّ والإثم؟ فقال:[البِرُّ حُسْنُ الخُلقِ، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس](١).
قال القاسمي رحمه الله في التفسير:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} أي: على تصديق رسلك والإيمان بهم. أو على ألسنة رسلك. وهو الثواب). وهذا حكاية لدعاء آخر لهم، معطوف على ما قبله. وتكرير النداء لما مرّ {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} قصدوا بذلك تذكير وعده تعالى بقوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}[التحريم: ٨]. بإظهار أنهم ممن آمن معه).
وقوله:{إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} يتلاءم مع سؤالهم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم من أربعة أوجه:
(١) حديث صحيح. رواه مسلم في الصحيح (٢٥٥٣)، كتاب البر والصلة، باب تفسير البر والإثم.