في هذه الآيات: يخبر جل ذكره أن هذه السورة من القرآن فيها تذكرة يتذكر بها أولو الألباب، وأن قِيامَ الليل كان فريضة أول الإِسلام ثم خفف اللَّه ذلك على النبي والأصحاب.
فقوله:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ}. يعني هذه السورة. وقال قتادة:(يعني القرآن).
وقوله:{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}. قال قتادة:(بطاعة اللَّه). قال النسفي:(أي فمن شاء اتعظ بها واتخذ سبيلًا إلى اللَّه بالتقوى والخشية).
ولا شك أن هذه المشيئة مقهورة بمشيئة اللَّه، فهو أعلم من يستحق الهداية والفضل. كما قال جل ثناؤه:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان: ٣٠].
أي: إنّ ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقَلَّ من ثلثي الليل مصليًا، ونصفه وثلثه أحيانًا. ويقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك، وذلك حين فرض عليهم قيام الليل.
وقوله:{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}. أي: يعلم مقادير الليل والنهار على حَقائقها، فيعلم القدر الذي تقومونه من الليل، وإنما تعلمون أنتم قدْر قيامكم بالتحري والاجتهاد.
وقوله:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}. قال الحسن:(لن تطيقوه). وقال قتادة:(قيام الليل كتب عليكم). قال القرطبي:(أي علم أنكم لن تحصوه، لأنكم إن زدتم ثقل عليكم، واحتجتم إلى تكليف ما ليس فرضًا، وإن نقصتم شقّ ذلك عليكم).
وقوله:{فَتَابَ عَلَيْكُمْ}. أي: فعاد عليكم بالعفو، ورجع من تثقيل إلى تخفيف،