وقوله:{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}. {خَاشِعَةً} أي ذليلة، وهي في محل نصب حال من الضمير في يدعون، والتقدير: يدعون في حال خشوع أبصارهم {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي يعلوهم الصغار ويغشاهم.
وقوله:{وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}. أي: وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود للَّه وهم أصحاء سالمون مستطيعون. وعن إبراهيم التيمي:({وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} قال: إلى الصلاة المكتوبة). وقال سعيد بن جبير:(يسْمع المنادي إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه). قال ابن عباس:(هم الكفار كانوا يدعون {إِلَى السُّجُودِ} في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعوهم وهم خائفون. ثم أخبر اللَّه سبحانه أنه حَالَ بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإنه قال:{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}[هود: ٢٠]، وأما في الآخرة فإنه قال: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ}).
وقوله:{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}. قال السدي:(يعني القرآن). وقيل: يوم القيامة. والمعنى: أي دعني -يا محمد- وكِلْ أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إليّ. وفيه تهديد ووعيد، وتسليةٌ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}. قال ابن عباس:(سنمكر بهم). أي سنملي لهم ونكيدهم من حيث لا يشعرون. وقال سفيان الثوري:(نُسْبِغُ عليهم النعم وننْسيهم الشكر). وقال الحسن:(كم مستَدْرَجٍ بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالسّتر عليه). وقال أبو رَوْق:(أي كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار).
والاستدراج: ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرّج.
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عقبة بن عامر مرفوعًا: [إذا رأيت اللَّه يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج. ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا