قال ابن جريج:(أشرف على قومهِ من المحراب). أي: الذي بُشِّرَ فيه بالولد. وقال ابن زيد:(المحراب: مُصلاه، وقرأ:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}[آل عمران: ٣٩]). وعن مجاهد:({فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} أي: أشار إليهم. وفي رواية كتب لهم في الأرض). وقال قتادة:(أومى إليهم). قال ابن زيد:(ما أدري كتابًا كتبهُ لهم، أو إشارة أشارها، واللهُ أعلم، قال: أمرهم {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، وهو لا يكلمهم).
في هذه الآيات: أمْرُ الله تعالى يحيى أخذ التوراة بقوة وعزيمة، وإنعامُه تعالى عليه بالعلم والفهم والرحمة والعمل الصالح الزكي، وبر الوالدين ولين الجانب، وأتبع ذلكَ سبحانهُ بأمان عليه في المواطن الثلاثة: يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيًّا.
فقوله:{يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}. قال مجاهد وقتادة:(بجدّ). وقال ابن زيد:(القوة أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله). والخطاب ليحيى بن زكريا بعدما ولد وصار صبيًا مُهَيَّأً لحمل الأمانة. والمقصود بالكتاب: التوراة، أي يقول الله له: يا يحيى خذ هذا الكتاب الذي أنزله الله على موسى، وهو التوراة بجدٍّ وعزيمة، وأقم أمر الله في الأرض.
وقوله:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. قال ابن كثير:(أي الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه وهو صغير حديث السِّن).
وقوله:{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا}. قال ابن عباس:(يقول: ورحمة من عندنا). وقال مجاهد:(وتعطفًا من ربه عليه). وقال عكرمة:(محبّةً عليه). قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبّة له آتيناه الحكم صبيًا). وقيل: هي رحمة عظيمة يشفق بها على الخلق. قلت: وكذا المعنيين حق.
وقوله:{وَزَكَاةً}. معطوف على {وَحَنَانًا}. والزكاة هنا: الطهارة من الذنوب والعمل بطاعة الله.