كَذِبَ قلوبهم فَثَبَّط هممهم وأقعدهم مع القاعدين، من المرضى والنساء والصبيان والعجزة المعذورين.
إنهم لَو خرجوا معكم ما زادوكم - معشر المؤمنين - إلا فسادًا وتخذيلًا، ولأوقعوا بينكم بالنمائم والوشايات الكاذبة، يريدون إفساد صفوفكم، والله عليم بالظالمين.
فقوله: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}.
قال ابن جرير: (لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك، والمستأذنيك في ترك الخروج معك (١) إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه، {عَرَضًا قَرِيبًا}، يقول: غنيمة حاضرة، {وَسَفَرًا قَاصِدًا} يقول: وموضعًا قريبًا سهلًا، {لَاتَّبَعُوكَ}، ونفروا معك إليهما، ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد، وكلفتهم سفرًا شاقًا عليهم، لأنك استنهضتهم في وقتِ الحرّ، وزمان القَيْظ، وحين الحاجة إلى الكِنِّ).
وعن قتادة: ({لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا}، قال: هي غزوة تبوك).
وقوله: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ}، أي: لو لم تكن لنا أعذار لكنا قد خرجنا معكم واشتركنا في الجهاد. {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} بسخط الله نتيجة الكذب والحلف بالله زورًا وبهتانا.
وقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. قال ابن إسحاق: (أي: إنهم يستطيعون).
وقال قتادة: (إنهم يستطيعون الخروج، ولكن كان تَبْطِئَة من عند أنفسهم والشيطان، وزهادة في الخير).
وقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}.
عتاب من الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينبغي أن يتريَّثَ قبل الإذن لهؤلاء المتخلفين في التخلف عن غزوة تبوك حتى يتبين له الصادق من الكاذب، وصاحب العذر الحقيقي من المدعي ذلك.
قال مورِّق: ({عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}: عاتبه ربه).
وقال مجاهد: (ناس قالوا: استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا).
(١) أي إلى تبوك، وهو توبيخ للمستأذنين في التخلف بأعذار واهية كاذبة.