أي: قد جاءتكم آية وحجة من ربكم تثبت لكم صدق نبوتي لكم، وكانوا قد سألوه بينة من قبل. فقال لَهُم نَبيُّهم صالح عليه الصلاة والسلام:{وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}[هود: ٦٤]. وكانت الناقة قد أقامت - وفصيلها بعدما وضعته - بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يومًا، وتدعه لهم يومًا. وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال تعالى:{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر: ٢٨].
قال الحافظ ابن كثير:(وكانت تسرَحُ في بعض تلك الأودية ترد من فَجّ وتصدرُ من غيره ليسعها، لأنها كانت تتضلَّع من الماء، وكانت - على ما ذكر - خَلْقًا هائلًا ومنظرًا رائعًا، إذا مَرَّت بأنعامهم نفرت منها. فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي - عليه السلام - عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلّهم على قتلها. قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كُلُّهم، أنهم راضون بقتلها، حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان أيضًا. قلت: وهذا هو الظاهر لأن الله تعالى يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}[الشمس: ١٤]، وقال:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا. . .}[الإسراء: ٥٩]، وقال:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ}. فأسند ذلك إلى مجموع القبيلة، فدَلَّ على رِضا جميعهم بذلك، والله أعلم).
قال الشهاب: ({وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} - لم يقل: خلفاء عاد، إشارة إلى أن بينهما زمانًا طويلًا. {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: أنزلكم في أرض الحجر. والمباءة المنزل. {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا} أي: تبنون في سهولها قصورًا