للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خَطَايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة] (١).

وقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا}.

قال ابن كثير: (هذه مناظرة ذَكَرها الله تعالى، وشُبْهةٌ تَشَبَّثَ بها المشركون في شِرْكِهم وتحريم ما حَرَّموا: فإن الله مُطَّلِعٌ على ما هُم فيه من الشِّرك والتحريم لما حَرَّموه، وهو قادر على تغييره بأن يُلهمَنا الإيمان، أو يحولَ بيننا وبين الكفر، فلم يُغَيِّره، فدل على أنه بمشيئته وإرادتِهِ ورضاه مِنّا ذلك).

وفي التنزيل ما يشبه هذه الدعوة الباطلة: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ. . (٢٠)} [الزخرف].

قلت: وفرق بين الإرادة والمحبة، أو المشيئة والرضا، فإن الله خلق إبليس وأراده ولا يحبه، وخلق الكفر ولا يرضاه، فقال سبحانه: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}.

أخرج أبو نعيم في الحلية، بسند حسن، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله لو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس] (٢).

وله شاهد عند البيهقي بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: [يا أبا بكر: لو أراد الله أن لا يُعصى ما خلق إبليس] (٣).

وقوله: {وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}.

قال مجاهد: (قول قريش بغير يقين: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة).

وقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.

قال النسفي: (أي: كتكذيبهم إياك كان تكذيب المتقدمين رسلهم وتشبثوا بمثل هذا


(١) عنان السماء: ما عَنَّ منها، أي ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل هو السحاب. وقُراب الأرض: بضم القاف وكسرها وهو ما يُقارب مِلأها. والحديث أخرجه أحمد والترمذي، وكذلك رواه الدارمي (٢/ ٣٢٢). انظر كتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ١٠١)، (١/ ٢٤٠).
(٢) حديث حسن. أخرجه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٩٢). وحسنه الألباني في الصحيحة (١٦٤٢).
(٣) حديث حسن. أخرجه البيهقي في "الأسماء" (١٥٧)، وانظر مسند البزار (٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>