للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول المؤلف: "واستعارة قريبة"، كذا في سائر النسخ بالقاف، قال ابن رشيق: "إنما يستحسنون الاستعارةَ القريبة، وعلى ذلك مضى جلةُ العلماء. وإذا استعر للشيء ما يقرب منه ويليق به، كان أولى مما ليس منه في شيء. ولو كان البعيد أحسن استعارة من القريب، لما استهجنوا قولَ أبي نواس:

بُحَّ صَوْتُ المَالِ مِمَّا ... مِنْكَ يَشْكُو وَيَصِيحُ (١)

فأيُّ شيء أبعدُ من صوت المال؟ فكيف حتى بح من الشكوى والصياح؟ [مع أن له صوتًا حين يوزن أو يوضع]؟ " (٢) أي نفس إثبات الصوت للمال بعيدٌ جدًّا، وإثبات البَحة لصوت المال أبعد. وحاصلُ مرادهم أن يكون وجهُ الشَّبَهِ الذي بُنِيَتْ عليه الاستعارةُ واضحًا، وأن تكون إرادةُ الاستعارة واضحة، حتى لا يُحتاج إلى القرينة، أو إلى تقوية القرينة.

"وعيار التحام أجزاء النظم والتئامه على تخَيُّرٍ من لذيذ الوزن، الطبعُ واللسان" (٣)، أراد بالطبع طبعَ الممارس للأدب كما قدمناه في شرح قوله: "اتسع مجال الطبع"، وباللسان لسان الممارس كذلك، وقد فصله بقوله:

"فما لم يتعثر الطبع بأبِيِّه وعقوده، ولم يتحَبَّس اللسان في فصوله ووصوله، بل استمرا فيه واستسهلاه بلا مَلالٍ ولا كَلَال، فذلك يوشك أن تكون القصيدة منه كالبيت، والبيت كالكلمة تشابُهًا لأجزائه وتقارنا" (٤). "التعثر" اضطرابُ الرِّجْل في المشي من تعرضِ شيءٍ في الأرض. وأراد بـ "الأبي" الكلام المتكلَّف المستكرَه، كما


= كما قال ياقوت الحموي، وساق نماذج رشيقة من شعره. معجم الأدباء، ج ٣، ص ٩٧٦ - ٩٩٣ (الترجمة ٣٤٤). والبُوتقة هي ما يذيب فيه الصائغُ الذهبَ والفضة.
(١) ديوان أبي نواس، ص ١٦٩.
(٢) القيرواني: العمدة، ج ١، ص ٢٧١.
(٣) نشرة هارون، ج ١، ص ١٠.
(٤) المصدر نفسه. (وفيه: "تسالمًا" بدل "تشابها").

<<  <  ج: ص:  >  >>