حافل بالناس، ودفن بتربة مسجد الأقدام وأغفل ذكره الفاضل العكري في الشذرات مع أنه أهل للترجمة. وترجمه البدر حسن البوريني في تاريخه فقال: هو الشيخ الذي ثبت صلاحه وتقرر فلاحه وحسنت أحواله وصدقت أقواله، وكان على أسلوب المتقدمين في سلوكه، لم يمل من الدهر إلى ملوكه، بل إلى ضعيفه وفقيره وصعلوكه. اجتمعت به في صالحية دمشق في حدود سنة خمس وسبعين وتسعمائة، وكان ابتداء الإجتماع به في المدرسة العمرية لأنه كان إمامها، وكانت له حجرة بها، وكان يأتي إليها من بيته في الثلث الأخير من الليل، فيشعل سراجه من قنديل المدرسة ويستفتح في قراءة القرآن العظيم إلى وقت الصلاة، فيقوم ويصلي بالناس، ثم يرجع إلى حجرته ويشتغل بالأوراد إلى طلوع الشمس، فبعد ارتفاعها يصلي الضحى ثم يسير إلى المدرسة دار الحديث بالصالحية أيضًا، فيدّرس بها فقه الإمام أحمد وغير ذلك من حديث ونحو. قرأت عليه بالمدرسة المذكورة (الأذكار) للإمام النووي، وانتفعتُ بعلمه ودعائه. وكان كثير التغفل فما يتعلق بأمور الدنيا، بحيث إنه كان يسأل غالب تلاميذه كلَّ يوم عن أسمائهم ومن أي بلد هم، وأظنّ بل أتحقق أنه كان صاحب درجة كبيرة من الولاية، شهدت له كرامات: أنه كان يترك السراج مملوءًا بالزيت في حجرته بالعمرية كما ذكرنا ليتلو القرآن عند قدومه آخر الليل، وكان الفأرُ يأكل الزيت والفتيلة، وكان الشيخ -رضي الله عنه- يُظهرُ التألم لذلك فقال لي يومًا: أنا أنذرت الفيران فإن استمروا على الفساد قتلتهم فبعدَ أيامٍ دخل الحجرة فوجد بها أكثر من عشرة من الفئران قد ماتت، فقال: سبحان الله أنذرتها فأبت إلا الفساد فأهلكها الله تعالى بفسادها، ولقد رأيت الفئران وأصحابه يخرجونها. واحدًا بعد واحد. وكان وليَّهُ في مصالح دنياه الشيخ أبو بكر بن زيتون وكان يأكل من ماله كثيرًا، وكان يدعو عليه، فلذلك ترى ابن زيتون المذكور مذموم السيرةِ عند غالب الناس بعد أن