فإن مقام الأول يباين مقام الثاني؛ فإن الذكى يناسبه من الاعتبارات اللطيفة ...
===
كلام المصنف، وقد أشار الشارح إلى ذلك الاحتمال بقوله: فإن مقام الأول إلخ وعلى كلا الاحتمالين فإضافة خطاب للذكى والغبى من إضافة المصدر لمفعوله، والمراد بالخطاب ما خوطب به سواء أريد به الخصوصيات، أو الكلام المشتمل عليها، والمقام الداعى لذلك هو الذكاء والغباوة، وإنما فصل هذا عما قبله بكذا، ولم يقل: ومقام خطاب الذكى يباين مقام خطاب الغبى، مع أن هذا كالذى قبله: لا يختص بأجزاء الجملة ولا بالجملتين فصاعدا اختصارا؛ لأن كذا ولفظ مع أخصر من مقام مرتين، ولفظ يباين.
وعلم من هذا أن مقام خطاب الذكى، ومقام خطاب الغبى مثل ما قبلهما فى أنهما من متعلقات علم المعاني؛ لأن المقامات إنما يبحث عن مقتضياتها فيه.
وقول بعضهم: إنما فصل بكذا؛ لأن الأول من متعلقات علم المعاني، والثانى من متعلقات علم البيان؛ لأن الغبى إنما يخاطب بالحقائق، والذكى بالمجازات، ففيه نظر؛ لأن الذى هو من متعلقات علم البيان كيفية دلالة اللفظ على المعنى المراد من كونه مجازا أو كناية، بقطع النظر عن اقتضاء الحال والمقام لذلك، والكلام هنا فيهما من حيث اقتضاء الحال لهما، ومما يدل على بطلان ذلك القيل، قول المصنف: بعد ولكل كلمة إلخ، فإن هذا من تعلقات علم المعاني، والأصل جريان الكلام على وتيرة واحدة، ثم إنه كان الأولى للمصنف أن يذكر مع الغبى الفطن، بأن يقول: وكذا خطاب الفطن مع خطاب الغبى؛ وذلك لأن القوة المعدة لاكتساب الآراء المسماة بالذهن، إما سريعة أو لا فسرعتها ذكاء وصاحبها ذكى، وعدم سرعتها بلادة وصاحبها بليد، ثم إن السريعة تارة يكون لها جودة وحسن فى تهيئها لحصول ما يرد عليها من الغير، وتارة لا يكون لها ذلك، فإن كان الأول فهى فطانة وصاحبها فطن أيضا، وإن كان الثانى فغباوة وصاحبها غبى.
فعلم أن الغباوة تجامع الذكاء، وحينئذ فلا يحسن المقابلة، وأجيب عن المصنف بأنه أطلق العام وهو الذكى وأراد الخاص وهو الفطن بقرينة المقابلة بالغبى، واعلم أن هذا