ذكر الصاحب إسماعيل بن عباد أنه أنشد هذه القصيدة بحضرة الأستاذ ابن العميد فلما بلغ هذا البيت قال له الأستاذ: هل تعرف فيه شيئا من الهجنة، قال: نعم، مقابلة المدح باللوم؛ وإنما يقابل بالذم أو الهجاء، فقال الأستاذ: غير هذا أريد، فقال: لا أدرى غير ذلك، فقال الأستاذ: هذا التكرير فى" أمدحه أمدحه" مع الجمع بين الحاء والهاء؛ وهما من حروف الحلق، خارج عن حد الاعتدال نافر كل التنافر؛ فأثنى عليه الصاحب.
===
(قوله: ذكر الصاحب)(١) ساق الشارح هذه الحكاية تأييدا لكون هذا التكرير ثقيلا مخرجا عن الفصاحة، والصاحب إسماعيل صحب ابن العميد فى مدة وزارته، وتولى بعده الوزارة لفخر الدولة ابن بويه، ولقب بالصاحب؛ لأن الصاحب غلب على كل من صاحب السلطان.
(قوله: بحضرة الأستاذ ابن العميد) هو الشيخ إسماعيل بن عباد الذى هو شيخ الشيخ عبد القاهر الجرجانى مدون هذا الفن.
(قوله: من الهجنة) بضم الهاء وسكون الجيم أى: العيب.
(قوله: غير هذا أريد) أى: لأن هذه الهجنة يمكن الجواب عن الشاعر بالنسبة إليها بأن يقال: أشار الشاعر بتلك المقابلة إلى أن ذمه الذى هو المقابل الحقيقى لا ينبغى أن يخطر بالبال؛ لعلو مقامه ولو على سبيل التعليق، فلو دعا داع؛ فإنما يفرض لومه دون ذمه، ويؤيد ذلك أن أورد فى جانب اللوم" إذا" التى للإهمال والمهملة فى قوة الجزئية، فتصدق بحصول اللوم مرة واحدة.
وأورد فى جانب المدح" متى" التى هو سور الكلية الدالة على صدور المدح منه فى جميع الأزمان، وكان الأولى للشاعر أن يأتى بإن والمضارع الدالين على عدم تحقق الحصول؛ لأن" إن" للشك دون" إذا" والماضى الدالين على تحقق الوقوع، وفيه شائبة تقصير فى مقام المدح. وما قيل فى الجواب: إنه إنما عبر بإذا والفعل الماضى لنكتة تشعر بالأدب فى حق الممدوح، وهو كون وجود اللوم مع عدم المساعد محققا؛ لأن" إذا" تستعمل فى التحقيق دون" إن"؛ فإنها تستعمل فى الشك ففيه نظر؛ لأنه لا يتم إلا لو كان قوله:" وحدى" قيدا فى الشرط؛ لأن" إذا" إنما تدل على تحقق مدخولها مع أنه قيد فى الجواب.
(قوله: هذا التكرير) مبتدأ، (وقوله: خارج إلخ) خبر، والمراد بكونه نافرا كل التنافر أنه
(١) هو إسماعيل بن عباد المعروف بالصاحب؛ لصحبته ابن العميد.