لا نسبة بين الأولى منها وبين شىء آخر حتى ينتقل إلى الثانية وتجعل بدلا من الأولى، وإنما يقصد من تلك الجمل استئناف إثابتها، وبعضهم اعتبره فى الجمل التى لا محل لها، ونزل قصد استئناف إثباتها منزلة نقل النسبة، فأدخل بدل الكل فى كمال الاتصال، ومثل له بقول القائل" قنعنا بالأسودين قنعنا بالتمر والماء" فإذا قصد الإخبار بالأولى ثم بالثانية لتكون الأولى كغير الوافية بالمراد لما فيها من إبهام ما، والمقام يقتضى الاعتناء بشأن المخبر به تنفصيلا لما فيه من تشويق المخبر، أو نحو ذلك، كانت بدل كل فتحصل من هذا أن فى جعل الجملة الواقعة بدل كل من كل داخلة فى كمال الاتصال، أو غير داخلة خلافا، بخلاف الواقعة بدل بعض أو اشتمال فإنهما داخلان فيه قطعا؛ لأن المبدل منه فيهما غير واف بالمراد، حتى فى البدل الإفرادى فإنك إذا قلت أعجبنى زيد لم يتبين الأمر الذى منه أعجبك، وإذا قلت وجهه تبين وهو بعض زيد فكان بدل بعض، وإذا قلت أعجبنى الدار حسنها فكذلك والحسن ليس بعضا فكان بدل اشتمال، ومن هذا تعلم أن البدل الاتصالى لا يخلو من بيان ووفاء، ولم يقتصر على البدل فى جميع الأقسام دون المبدل منه مع أن الوفاء إنما هو بالبدل؛ لأن مقام البدل يقتضى الاعتناء بشأن النسبة وقصدها مرتين أوكد، ولا يقال حيث كان البدل الاتصالى لا يخلو عن بيان يلزم التباسه بعطف البيان؛ لأنا نقول البيان فى البدل غير مقصود بالذات؛ بل المقصود تقرير النسبة، وعطف البيان المقصود منه التفسير والإيضاح لا تقرير النسبة، فافهم.
ووجه منع العطف فى بدل البعض والاشتمال أن المبدل منه فى نية الطرح عن القصد الذاتى، فصار العطف عليه كالعطف على ما لم يذكر، وقول بعضهم: وجه المنع أن البدل والمبدل منه كالشىء الواحد، لا يتم مع كون المبدل منه كالمعدوم، إذ لا يتحد ما هو بمنزلة المعدوم بالموجود مع أن البعض من حيث هو، والمشتمل عليه من حيث هو لا اتحاد بينه وبين ما قبله تأمل.
(قوله: لأنها غير وافية) علة لمحذوف، أى وتبدل الثانية من الأولى لأنها إلخ.