فى وسعه، لكنه يتمنى ذلك تخلصا عما عرض له فى الليل من تباريح الجوى ولاستطالته تلك الليلة كأنه لا طماعية له فى انجلائها؛ فلهذا يحمل على التمنى دون الترجى.
(والدعاء) أى: الطلب على سبيل التضرع (نحو: رَبِّ اغْفِرْ لِي (١)،
===
الليلة إشارة إليه، والمراد بالانجلاء: الانكشاف، وبالإصباح: ظهور ضوء الصبح وهو الفجر وأول النهار، فكأنه يقول: انكشف أيها الليل الطويل طولا لا يرجى معه الانكشاف، وقوله: وما الإصباح منك بأمثل أى: بأفضل كلام تقديرى، كأنه يقول هذا الليل لا طماعية فى زواله لطوله طولا لا يرجى معه الانكشاف وعلى تقدير الانكشاف، فالإصباح لا يكون أفضل منه عندى لمقاساتى الهموم والأحزان فيه كما أقاسيها فى الليل، فالليل قد شارك النهار فى مقاساة الهموم لاشتراكهما فى علتها وهى فراق الحبيب فطلب النهار ليس لخلوه عنها، بل لأن بعض الشر أهون من بعض
(قوله: فى وسعه) أى: وسع الليل وقد يقال: إنه يجوز التكليف بما ليس فى الوسع؛ لأن التكليف بالمحال جائز فيمكن أن يكون هذا منه، فالأحسن فى التعليل أن يقول؛ لأن الليل ليس مما يؤمر ويخاطب؛ لأنه ينبغى أن يكون المكلف عاقلا يفهم الخطاب
(قوله: يتمنى ذلك) أى: الانجلاء فكأنه يقول ليتك تنجلى
(قوله: من تباريح الجوى) التباريح بالحاء المهملة الشدائد جمع تبريح بمعنى الشدة والجوى بالجيم الحرقة وشدة الوجد من حزن أو عشق
(قوله: ولاستطالته إلخ) علة مقدمة على المعلول وهو قوله كأنه لا طماعية أى: وكأنه لا طماعية له فى انجلاء تلك الليلة لاستطالتها أى: لعدها طويلة جدا وهو عطف على طوله إذ ليس فى وسعه فهو دليل آخر على أنه ليس الغرض طلب الانجلاء فكان للتعليل
(قوله: فلهذا) أى: فلأجل عدم الطماعية فى الانجلاء والانكشاف حمل الأمر على التمنى ليناسب حال التشكى من الأحزان والهموم وشدتها؛ لأنه لا يناسبها إلا عدم الطماعية فى انجلاء الليل؛ وذلك لأنها لكثرتها ولزومها لليل يعد الليل معها مما لا يزول، ولذا جرت العادة بأن من وقع فى ورطة وشدة يتسارع بالإياس ويتشكى منها مظهرا لبعد النجاة وما لو كانت مرجوة الانكشاف لم تستحق التشكى من ليلها الملازمة له