فهل تعرف كيف طويت صحيفة هذه السورة، وكيف أعلن ختامها؟
لنعد بذاكرتنا إلى الآيات الخمس التي افتتحت بها سورة البقرة؛ لنرى كيف تتجاوب تلك المقدمة مع هذه الخاتمة؛ ثم كيف يتعانق الطرفان هكذا ليلتحم من قوسيهما سور محكم يحيط بهذه السورة، فإذا هي سورة حقًّا، أي بنية محبوكة مسورة ..
ألم يكن مطلع السورة وعدًا كريمًا لمن سيؤمن بها ويطيع أمرها بأنهم أهل الهدى وأهل الفلاح؟
ألسنا نترقب الآن صدى هذا الوعد؟ بلى؛ إننا ننتظر الآن أن تحدثنا السورة: هل آمن بها أحد، وهل اتبع هداها أحد، ثم ننتظر منها إن كان ذلك قد وقع، أن تحدثنا عن جزاء من استمع واتبع ..
وهكذا سيكون مقطع السورة:
١ - بلاغًا عن نجاح دعوتها: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ … ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥].
٢ - وفاءً بوعدها لكل نفس بذلت وسعها في اتباعها: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
٣ - فتحًا لباب الأمل على مصراعيه أمام هؤلاء المهتدين، فليبسطوا إذًا أكفهم مبتهلين:(ربنا .. ربنا .. ربنا) … ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
* * * * *
تلك هي سورة البقرة .. أرأيت وحدتها في كثرتها؟ أعرفت اتجاه خطوطها في لوحتها؟ أرأيت كيف التحمت لبناتها من غير ملاط يمسكها، وارتفعت سماؤها بغير عمد تسندها؟ أرأيت كيف انتظم من رأسها وصدرها وأحشائها وأطرافها، لا أقول أحسن دمية، بل أجمل صورة حية، كل ذرة في خليتها، وكل خلية في عضوها، وكل عضو في جهازه، وكل جهاز في جسمه، ينادي بأنه قد أخذ مكانه المقسوم، وفقًا لخط جامع مرسوم، رسمه مربي النفوس ومزكِّيها،