للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أخذ الجهاد بالنفس حظه من الدعوة في آية قصيرة (٢٤٤) ثم في آيات كثيرة (٢٤٦ - ٢٥٣)، وأخذ الجهاد بالمال بعض حظه في آية قصيرة (٢٥٥) فمن العدل أن يأخذ تمام حظه في آيات كثيرة كذلك.

وهكذا نرى الدعوة إليه تأخذ الآن قسطها؛ مطبوعًا بطابع الشدة تارة (٢٥٤ - ٢٦٠). (٢٥٤ - ٢٦٠) (١) وطابع اللين تارة (٢٦١) وطابع التعليم المفصل لآداب البذل تارة أخرى (٢٦٢ - ٢٧٤).

الآيات من (٢٧٥ - ٢٨٣):

ثم ينساق الحديث من فضيلة التضحية والإيثار، التي هي أسمى الفضائل الاجتماعية، إلى رذيلة الجشع والاستئثار، التي هي في الطرف المقابل، أحط أنواع المعاملات البشرية (أعني رذيلة الربا، التي تستغل فيها حاجة الضعيف، ويتقاضى فيها المحسن ثمن المعروف الذي يبذله) (٢٧٥ - ٢٧٩).

وكان هذا الاقتران بينهما في البيان إبرازًا لمدى الافتراق بين قيمتهما في حكم الضمائر الحية.

وبين هذين الطرفين المتباعدين، يقيم القرآن ميزان القسط في الحد الأوسط، جاعلًا لصاحب الحق سلطانًا في المطالبة برأس ماله كله لا ينتقص منه شيء ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩]. غير أنه يحذرنا من سوء استعمال هذا الحق بإزاء المعسرين؛ فيأمرنا أن نتخذ فيهم إحدى الحسنيين: إما الانتظار إلى الميسرة، وإما التنازل لهم نهائيًّا عن الدين، وهذه أكرم وأفضل ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (٢٨٠ - ٢٨١).

ولما كان الطابع البارز في هذا التشريع القرآني، وهو طابع القناعة والسماحة، قد يوحي إلى النفوس شيئًا من التهاون في أمر المال، وربما مال بها


(١) ففي هذه الآيات السبع تحذير شديد للبخلاء من يوم لا يبذل فيه فداء، ولا يغني فيه خليل عن خليله، ولا تنفع فيه شفاعة الشافعين؛ ثم تأكيد لهذا المعنى يمحو كل شبهة يتعلق بها من يعتمد على الشفعاء، ونفي كل سلطان ونفوذ لغير الله، ورفع كل ريبة عن حقيقة يوم الدين .. وذلك كله ليكون البذل عن إيمان وعقيدة سليمة، لا رياء ولا زلفى لأحد، ولكن ابتغاءً لوجه الله الواحد الأحد.

<<  <   >  >>