للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما لم يكن بمصر دار كتب جامعة عامة يرجع إليها المعلون للاستعانة على التعليم كما فى مدارس البلاد الأجنبية، ينشئ محل بجوار المدارس من داخل سراى درب الجماميز المذكورة لهذا الغرض، وصرف عليه من مربوط المدارس فجاء محلا متسعا يزيد عن لوازم المدارس من الكتب وأدوات التعليم.

وقد كان الخديوى إسماعيل يرغب فى إنشاء كتبخانة عمومية تجمع الكتب المتفرقة فى الجهات الميرية وجهات الأوقاف فى المساجد ونحوها، وأمرنى بالنظر فى ذلك فوصفت له المحل الذى أنشئ، فعين لمعاينته جماعة من الأمراء والعلماء فاستحسنوه ووجدوه فوق المرام، فصدر الأمر بأن تجمع فيه الكتب المتفرقة، فجمعت من كل جهة وجعل لها ناظر وخدمة، وترتب لها مغير من علماء الأزهر لمباشرة الكتب العربية، وآخر لمباشرة الكتب التركية، ونظمت لها لائحة صار نشرها، تؤذن بإباحة الانتفاع بها للطالبين، وسهولة التناول للراغبين، مع الصيانة لها وعدم التفريط فيها، فجاءت بحمد الله من أنفع الإنشاءات، وأثنى عليها الخاص والعام من الأهلين والأغراب، إذ تخلصت بها الكتب من أيدى الضياع وتطرق الأطماع، فإنها كانت تحت تصرف نظار أكثرهم يجهلون قيمتها ولا يحسنون التصرف فيها ولا يقومون بواجباتها، بل أهملوها وتركوها فسطت عليها عوارض متنوعة أتلفت كثيرا منها حتى صار السالم من الضياع مخرما بعضه بأكل الأرض، وبعضه بأكل الأرضه، وزاد أن تصرفوا فى أجودها بالبيع للأغراب بثمن بخس، وحرموا الأهلين من الانتفاع بها، وبعضها يحجرون عليه فلا يتمكن أحد من النظر إليه، فتخلصت من ذلك فضلا عن صونها من هذه العوارض ونظافتها ونظافة أماكنها وحسن ترتيبها كل فن على حدته، وجعل بها محل للاطلاع على الكتب والمطالعة والمراجعة فيها والنسخ والنقل فيها، ورتب فيه ما يلزم للكتابة من الأدوات بحيث يتيسر بهذا الموضع لكل من شاء غرضه من ذلك متى شاء، وأمكن الإطلاع على خطوط الملوك والمؤلفين، والعلماء والمتقدمين، ومشاهير الخطاطين كابن مقلة وغيره مما كان يسمع به الإنسان ولا يراه أو لا يسمع به.