رأيته من بعد هربت ونزلت بمنية طريف فأخذنى رجل عربى ولم أقم عنده إلا قليلا، وهربت منه ولحقت بأخ لى فى بلدتنا برنبال وكان قد رجع إليها.
وبعد أيام قدم إلينا أخى الذى كان يفتش على فأخذنى بالحيلة إلى والدى وقد أشكل عليهم أمرى وذهبوا كل مذهب فى كيفية تربيتى وما يصنعون بى، وجعلوا يعرضون على القراء والكتاب فلم أقبل، وقلت إن المعلم لا أستفيد منه إلا الضرب، والكاتب لا يفيدنى إلا الضياع والأذية ويستفيد منى الخدمة.
ثم عرض على والدى أن يلحقنى بصاحب له من كتبة المساحين فرضيت بذلك، فلما عاشرته رغبت فى عشرته لما كنت أكتسب من صحبته من النقود التى تنالنى مما يأخذه من الأهالى، فأقمت عنده ثلاثة أشهر.
ولكنى لصغر سنى وعدم معرفتى بما ينفع وما يضر كنت أفشى سره وأخبر عن أخذه من الناس فطردنى، فبقيت فى بيتنا أقرأ على أبى، ويستصحبنى فى قبض الأموال الأميرية التى على العرب، وكان منوطا بذلك، فكنت أباشر الكتابة وبعض المحاسبات ثم بعد نحو سنة جعلنى مساعدا عند كاتب فى مأمورية أبى كبير بماهية خمسين قرشا، وأبيّض له الدفاتر، فأقمت عنده نحو ثلاثة أشهر وقد خلقت ثيابى وساء حالى ولم أقبض شيئا من الماهية إلا الأكل فى بيته.
ثم عيننى يوما لقبض حاصل أبى كبير فقبضته وأمسكت عندى منه قدر ماهيتى، وكتبت له علما بالواصل ووضعته فى كيس النقدية/فلما وقف على ذلك اغتاظ منى وأسرها فى نفسه.
وكان مأمور أبى كبير يومئذ عبد العال أبو سالم من منية النمروط فأخبره بذلك، واتفق أن المأمورية مطلوب منها شخص للعسكرية فأغراه علىّ وتوافقا على إلحاقى بالجهادية لسداد هذه الطلبة، فنادونى على حين غفلة، وأمرنى المأمور بالذهاب إلى السجن لكتب المسجونين، وأصحبنى رجلا من أغوات المأمورية فلما دخلت السجن