المتقبلين مجراك إثبات ما عم وشمل في سنة كذا من فساد البقول وضروب الأوراق المجعولة في الأجنة وبوارها، وانحطاط أثمانها، وعدم المشترين لها حتى إنهم طرحوا أكثرها لفسادها، واعتقال الأرض بطول مكثها، وإن زرع الأرض في سنة كذا استأصله البربر حين محاضرتهم لقرطبة جبرها الله.
وحكيت أن من الفقهاء المفتين من لم ير القيام بمثل هذه وأن المتقبلين لما احتجوا بما سلف من عادة القضاء في التخفيف عنهم والرفق بهم، فيما لم يبلغ هذا المبلغ ولا انتهى من الجائحة هذا المنتهى ترغيبًا للناس في قبالات الأحباس، واستئلافًا لهم.
واحتجوا بأن القضاة قد جعلوا باجتهادهم للوسط من الرفع مقدرًا يؤتم به ويحتذى عليه عند نزول الجوائح، وقيام المتقبلين لها، فجعلوا مقدار الوسط في رفع ما قرب من قرطبة كمنية العجب وشبهها لتغالي الناس وعظم ما يتمونونه من تزييلها، والاستفراغ في عمارتها للحبة عشر حبات، ومقدار مائتي وبعد للحبة ست حبات، فقال بعض من أفتى بتلك الفتيا أن ذلك لا يجوز وان القبالة من أجل هذا التمثيل تفسد. وسالتني مجاوبتك بما عندي في هذا.
فالذي عندي فيه وبالله التوفيق: أما الأجنة فإن القضاء عندنا لم يزالوا على عادة مشهورة من استئلاف المتقبلين والرفق بهم والإحسان إليهم بالوضيعة، والتخفيف عنهم إذا نزل مثل هذا، لا سيما مثل هذه الجائحة التي احتج المتقبلون بها من الكساد وعدم المشترين فإنها جائحة لم يعهد مثلها مع ضعف المتقبلين وذهاب أموالهم، وإن قبالات الأجنة في الأغلب إنما تدور عيهم، وإنهما ليست كالأرضين التي يعاينها أكثر الناس.
فإن زعم زاعم أن الوضيعة لا تكون إلا فيما قل وخف. واحتج بما رواه ابن القاسم عن مالك في المقارض يسأله السائل فيعطيه الكسرة أو الثمرات قال: لا بأس بذلك، وبما رواه عنه أشهب أنه خفف له الحجامة والحمام، قيل له: ليس هذا من ذلك، هذا شيء ثان ومعنى آخر ليس ما كان على طريق المعروف، كما سأله النظر والاستئلاف.
وروى ابن القاسم عن مالك في الجزء الأول من نكاح المدونة في الرجل يزوج ابنته وهي بكر ثم يحط عن الزوج من الصداق، قال مالك: لا يجوز للأب ذلك إذا لم يطلقها الزوج. قال ابن القاسم: وأرى أن ينظر في ذلك؛ فإن كان ما وضع الأب على وجه انظر مثل أن يكون معسرًا بالمهر فيخفف عنه وينظره، فذلك جائز على البنت، لأنه لو طلقها