وقوله فإذا بطلت الهبة في تلك الأشياء فكأنها لم تكن فيها هبة ووجب إلغاء ذكرها، وكذا جعلها ابن القاسم لغوًا كأن لم تكن فيها هبة، قط إلى آخر كلامهم، إنما عني ما في كتاب أمهات الأولاد من سماع عيسى في كتاب الوصايا فيمن تصدق أو وهب ولم يجز ذلك عنه حتى مات، ولم يذكر ذلك في مرضه وأوصى بوصايا.
قال ابن القاسم: فإن الوصايا تدخل في تلك الهبات والعطاي التي لم تحز عنه إذ قد رجعت مالاً من ماله تورث عنه، وكأنه لم يعقد فيها هبة، هذه المسألة التي أراد ابن مالك وفيها طول، قد ذكرنا منها المعنى الذي أراده.
ولأصبغ في سماعه في كتاب الصدقة خلافه، قال: تطرح تلك الصدقة التي لم تحز عنه من رأس ماله، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، وترجع ميراثًا، هذا بيان ما أراده ابن عتاب وابن مالك في جوابهما في هذه المسألة.
وإذا تدبرت أجوبة شيوخنا الذين حملنا عنهم وتفقهنا عليهم، وجدتها أدل على العلم وأجمع لمعاني الفقه من أجوبة الشيوخ قبلهم على من تأمل ما أوردناه عن الفريقين في كتابنا هذا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
شهداء عرفاء البنيان والقسام في عيوب الدور:
قال القاضي أبو بكر ابن زرب في مسائله: قد دخل عرفاء البنيان إلى أن يشهدوا في قيمة عيوب الدار، وقد شاورني بعض الحكام فيه فقلت له: وما الذي يمنعهم من الشهادة في هذا؟ فقال: إنما هذا للقسام الذين يعرفون قيمة الدور ويشهد العرفاء بالعيوب، ويقدر القسام ما ينقص العيب من الدار، فقلت له: وإذا كان العرفاء يعرفون قيمة الدار ثم أنكرت أن يشهدوا في مثل هذا أو عدول من غير العرفاء وغير القسام، فقال لي: بلى إذا كانوا عدولاً غير مغفلين جازت شهادتهم في هذا، إلا أن المفتي إذا استفتى في مثل هذا يجب له أن يفتي بأن يقول سئل عن هذا أهل البصر بالعيوب فيتخلص، فإن كان العرفاء أو غيرهم من أهل البصر جازت شهادتهم في ذلك.
قلت له: إن العدول من أهل كل ربض أدرى بالسداد من القسام، وشهادتهم أصح وأولى أن تسمع من القاسم؛ إذ المعلوم في القسام أنهم لا يشهدون بالأجرة ما جازت شهادتهم فيه.