والحجة لذلك قول الله تعالى:(وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، فأجمع أهل العلم على أنه ينفق عليها ويكسوها فالكسوة داخلة في الإنفاق.
قال القاضي: في هذا نظر وإنما هذا في كل نفقة يحكم عليه بها وإن لم يطع بها كنفقة الزوجات والآباء والأمهات والبنين والبنات والعبيد والإماء ونفقة العامل في القراض إذا كان المال كثيرًا والسفر بعيدًا، وأما من التزم الإنفاق على أحد ممن لم يقض له به عليه بل طاع له بذلك إحسانًا إليه وقال: إنما أردت المطعم لا الكسوة، وقال الآخر: قد التم إنفاقًا مجملاً فاكسني كما تطعمني، فهذا شيء لا يلزمه عندي بدليل ما في المدونة في كتاب الرواحل والدواب، قال مالك: فيمن تكارى إلى الحج ذاهبًا وراجعًا أو إلى بلد كذا على أن على الجمال طعامه؛ فلا بأس به ولا يصف النفقة كالمتزوج لا يجد نفقة وهو لا بأس به، وكذلك العبد يستأجر السنة على أن على الذي استأجره نفقته وكذلك لو كان حرًا. قال: فقلنا لمالك: فلو اشترط الكسوة، قال: لا بأس بذلك، فقلنا له: فلو استأجره بكسوة وصفها وبطعام قط. قال: لا بأس به. وكذلك إن كان مع الكسوة واطعام دنانير أو دراهم أو عرض بعينه لم يكن به بأس.
وفي كتاب الجعل والظئير نحوه، إلا أن مسألة العبد هنا أبين لفظًا، فقوله: فلو اشترط الكسوة بعد قوله: استأجره على أن عليه نفقته؛ يدل على أن النفقة لا تقتضي الكسوة في مثل هذا، ولو كانت عنده مقتضية لها لقال له إذ سأله عنها: لفظ النفقة يقتضيها فهو في غنى عنها.
وفي الواضحة قال ابن حبيب: لا بأس أن يسترجع الرجل المرضع لولده السنة والسنتين بشيء مسمى على أن نفقتها في طعامها وكسوتها على أبي الصبي؛ ذلك جائز، سمي النفقة والكسوة أو لم يسمها؛ لأن قدرها معروف وهذا بين في خروج الكسوة عن النفقة في هذا وشبهه، وله في موضع آخر في كتابه نحوه.
ويؤيد ما ذهبنا إليه أنه لو التزم الإنفاق على إنسان فأنفق عليه شهرًا أو سنة ثم قال: هذا الذي أردت ولا أزيد على ذلك، وطلبه الآخر بالإنفاق عليه حياته، لصدق الملتزم وما لزمه أكثر مما يذكر أنه أراده ولا يجوز غير ذلك، فكذلك إذا قال، إنما أردت المطعم لا الملبس.
وفي كتاب الصدقة من المدونة: فيمن تصدق بحائطه على رجل وفيه ثمرة قد طابت