أن تكون قد علمت أنه عبد ورضيت ورضي سيده بالنكاح فيمضي؛ لأن العبد لا ينكح إلا بإذن سيده، وإلا فسيده بالخيار في فسخه وإجازته وبيعه ومعارضته وتجارته إن كان مأذونًا له في التجارة مضي ذلك، وإن كان غير مأذون له فسيده بالخيار في إجازة ما فعل ورده، ولا يمكن القاضي أن يحكم بقضية للعبد حتى يشاور سيده فيجيز ذلك أو لا يجيزه، وقاله أيوب وعبيد الله وابن وليد وسعد بن معاذ وابن حمير وجماعتهم.
من غاب غيبة منقطعة عن ابنته البكر فذكر ذلك أخوها للقاضي:
فهمنا - وفقك الله - ما رفعه الرافع من أن له أختًا بكرًا غاب عنها أبوها منذ سنين غيبة منقطعة لا يعلم له مستقرًا، وقد احتاجت أخته، وصارت في ضيعة، وخطبها كفؤ لها من يمونها ويسترها، فيجب في ذلك أن تحمله البينة على ما ذكر من غيبة الأب وحاجة الأخت وكفاءة الزوج، فإذا أثبت ذلك ورضاها به أمرت من يزوجها من هذا الذي خطبها، قاله ابن لبابة وابن وليد.
قال القاضي أبوالأصبغ: وفي النكاح الأول من المدونة قال ابن القاسم: من غاب عن ابنته البكر غيبة منقطعة؛ مثل من يخرج في المغازي فيقيم بالأندلس وأفريقية وطنجة، فلترفع أمرها إلى السلطان فينظر لها وزوجها. ورواه علي بن زياد عن مالك (١).
قال ابن القاسم: وأما من خرج تاجرًا وليس يريد المقام بتلك البلاد، فلا يهجم السلطان على ابنته البكر، وليس لأحد من الأولياء أن يزوجها؛ لأن مالكًا لم يوسع في أن تزوج ابنة الرجل إلا أن يغيب غيبة منطقعة.
وقال ابن حبيب من قول مالك: إن قربت غيبة الولي كتب إليه الإمام، وإن سافر انتظره، وإن بعدت غيبته زوجها الإمام إلا الأب فلا يزوجها إلا أن يغيب أبوها وتطول غيبته جدًا أو تكون ثيبًا، وأما البكر لا إلا أن ينطقع بالسكنى في بلد منقطع بعيد قد يئس من رجعته وطال ثواؤه فيه الثلاثين سنة والشعرين فيزوجها، ولا يفلع ذلك أحد من الأولياء.
فإن زوجها ولي لها دون السلطان في الغيبة البعيدة أو جهل الولي أو السلطان في الغيبة القريبة لم يجز وفسخ إذا جاء الأب، وإن أجازه لم يجز. وقاله ابن القاسم.