للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خُرْطُوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبدُ ربَّه خَنَسَ (١).

ويقالُ: رأسُه كرأس الحيَّة وهو واضعٌ رأسَهُ على ثَمَرَة القلب يُمَنِّيه ويحدِّثُهُ، فإذا ذكر الله تعالى خَنَسَ، وإذا لم يَذْكرْه عادَ ووضَعَ رأسَهُ يوسوِسُ إليه ويُمَنِّيهِ (٢).

وجيء من هذا الفعل بوزن: "فعَّال" الذي للمبالغة دون الخَانِس والمُنْخَنِس إيذانًا بشدة هروبه ورجوعه وعِظَم نفوره عندَ ذكر الله، وأن ذلك دأبُهُ ودَيْدَنُهُ، لا أنه يعرِضُ له عند ذكر الله أحيانًا، بل إذا ذُكِرَ اللهُ -عز وجل- هَرَبَ وانخنسَ وتأخَّرَ، فإنَّ ذِكْرَ اللهِ هو مِقْمَعَتُهُ التي يُقمعُ بها، كما يُقمعُ المفسدُ والشِّرِّيرُ بالمقامع التي تَرْدَعُهُ؛ من سِياطٍ وحديدٍ وعِصِيٍّ، ونحوها.

فذِكْر اللهِ تعالى يقمعُ الشيطانَ ويؤلمُهُ ويؤذيه، كالسِّياط والمقامع التي تؤذي من يُضْرَبُ بها. ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلًا ضئيلًا مضنًى مما يعذبهُ المؤمنُ ويقمعُه به من ذكر الله وطاعته.

وفِي أثرٍ عن بعض السلف: "إن المؤمن يُنْضِي شيطانَه، كما


(١) ذكره البغوي في "تفسيره": (٤/ ٥٤٨) بدون إسناد، وهو بنحوه مروي: عن معاوية أخرجه ابن أبي داود في "ذم الوسوسة" -كما في "الدر: ٦/ ٧٢١"، ورُوِيَ مرفوعًا من حديث أنسٍ -رضي الله عنه- أخرجه أبو يعلى وابنُ شاهين والبيهقي في "الشعب"- كما في "الدر: ٦/ ٧٢١"، قال الحافظ في "الفتح": (٨/ ٦١٤): "وإسناده ضعيف"، وروي عن ابن عباسِ وغيره نحوه.
(٢) نقله المؤلف من "تفسير البغوي": (٤/ ٥٤٨)، وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابنُ المنذر عن عروة بن رُويم أن عيسى بن مريم دعا ربَّه أنْ يريه موضع الشيطان من ابن آدم فجلَّى له ذلك ... فذكره، انظر: "فتح الباري": (٨/ ٦١٤)، و"الدر المنثور": (٦/ ٧٢٢).