وصدق الله في وصفه للإنسان:(إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً).
قال الإمام ابن القيم: سل المعطل الجاحد: ما تقول في دولاب دائر على نهر قد أحكمت آلاته، وأحكم ترتيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته ولا في صورته. وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار والزروع يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلِمُّ شعثها ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها فلا يختل منها شيء ولا تتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منها ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام ... أترى هذا اتفاقاً بلا صانع ولا مختار ولا مدبر؟ ! بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقاً من غير فاعل ولا قيِّم ولا مدبر ... أفترى ما يقول عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟ .
ولكن من حكمة العزيز الحكيم أن خلق قلوبًا عميًا لا بصائر لها ـ فلا ترى هذه الآيات الباهرة إلا رؤية الحيوانات البهيمة ـ كما خلق أعينًا عميًا لا أبصار لها، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره وهي لا تراها، فما ذنبها إن أنكرتها وجحدتها! فهي تقول في ضوء النهار: هذا ليل! ولكن أصحاب الأعين لا يعرفون شيئًا.
ولقد أحسن القائل:
وَهَيْنِي قلت هذا الصبح ليل ... أَيَعْمَى العالمون عن الضياء