للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذمتهم، ويُزال الظلم عنهم، وكذلك لو أُشكِلَ أمرهم، ولم يُعرفْ صدقهم مِنْ كذبهم إذا ادَّعَوا ذلك؛ فلا يُستباحوا، حتى يتبيَّنَ أنهم نَقَضُوا أَشَراً، على غير شيءٍ من تحت إمام عادل.

رُوِي ذلك عن ابن القاسم وأصبغ (١) . قال أبو الوليد بن رشد (٢) : وذلك صحيحٌ على مذهب مالكٍ وأصحابهِ، وقال غيره (٣) : بل لا عُذرَ لهم إذا خرجوا إلى بلاد الحرب ونقضوا، وإن كان ذلك من جور أو غيره؛ لأنهم لم يعاهدوا على مثل ذلك، كأنه يعني: أنَّ عليهم أن يرفعوا أمرهم إلى الإمام إن رَجوا عنده زوالَ ذلك، أو ليأذن لهم في التحول. قال اللخمي: لأنهم رَضُوا بِطرح ما عُقِدَ لهم، وإسقاطِ حَقِّهم فيه.

مسألة

إذا نقض أهل الذمة العهد وقاتلوا، فظفر بهم المسلمون، ففي استباحة نسائهم وذراريهم بالسبي خلاف، فعن مالكٍ وجميع أصحابه: أن أهل

الذمة قد صاروا بذلك حرباً: يسبون ويقتلون، إذا لم يكن عذر من ظَلامَةٍ أو جَوْرٍ، وخالفهم أشهب؛ فمنع السِّباء، قال: لا يعود الحرُّ إلى الرِّقِّ أبداً، قال أبو الوليد بن رشد في «شرح مسائل العتبية» (٤) : «ما اتفق عليه مالك وأصحابه أصح في النظر؛ لأن الحرية لم تثبت لهم بعتاقةٍ من رقٍّ متقدم، فلا ينتقض، إنما تركوا على حالهم من الحرية التي كانوا عليها آمنين؛ بما بذلوه من الجزيةِ على شرطها ما بذلوها، فإذا منعوا الجزية، لم يَصِحَّ لهم العوض، وكان للمسلمين الرجوع فيه، وذلك -أيضاً- كالصلح بين المسلمين وأهل الحرب على شروط، فإذا لم يَفُوا بها، انتقض


(١) انظر: «البيان والتحصيل» (٢/٦٠٩، ٣/١٢) ، «النوادر والزيادات» (٣/٣٤٤، ٣٤٧) .
(٢) في «البيان والتحصيل» (٣/١٢) .
(٣) هو أشهب -من أصحاب مالك- كما في «البيان والتحصيل» (٣/١٢) .
(٤) «البيان والتحصيل» (٢/٦١٠) . والكلام السابق منه -أيضاً-.

<<  <   >  >>