للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسخ ذلك كلَّه آيةُ السيفِ في (براءة) : {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ، فأبيحَ القتالُ في الأشهر الحرم وغيرها، وعلى هذا جماعة أهل العلم، إلا أن عطاءً ذهب إلى أنَّ الآية في الحَظْر مُحكمة، ولا يجوز عنده قتالٌ في الأشهر الحرم (١) .

والحجة فيما صار إليه الجمهور، أنَّ كل مهادنةٍ كانت، فقد نسختها آية السَّيفِ في (براءة) ، وهي آخر ما أنزل في ذلك. قال النحَّاس (٢) : «نُقلِ إلينا أن هذه الآية -يعني: قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ٢١٧]- نزلت في جمادى الآخرة -أو في رجب-، في السنةِ الثانية من هجرةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وقد قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن بحُنينٍ، وثقيفاً بالطائف، في شوال، وذي القعدةِ، وذو القعدةِ من الأشهر الحرم، وذلك في سنة ثمانٍ من الهجرة» (٣) ؛ يريد الاستدلال على أن الكفَّ في الأشهر الحرم منسوخٌ، والأشهر الحرم هي التي قال الله -عز وجل- فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: ٣٦] .


(١) قال أبو جعفر النحَّاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٣٩) بعد ذكر مذهب عطاء أن الآية محكمة، قال: ويحتجُّ بما حدثناه.. وذكر حديثاً بسنده إلى جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقاتل في الشهر الحرام، إلا أن يُغزى أو يغزو، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ. قال أبو جعفر: وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل النسخ للآية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} . والحديث صحيح، فهو من رواية الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر. وأخرجه من طريق الليث: ابن جرير في «التفسير» (٢/٣٤٦-٣٤٧) ، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٠٧/ رقم ٣٨٩، ٣٩٠) ، وفي مطبوع «الناسخ والمنسوخ» للنحاس أبو الأزهر بدل: أبو الزبير، وهو خطأ فليصَحَّح.
ونقل ابن العربي في «أحكام القرآن» (٢/٢٧) قول عطاء، وردَّه بقوله: «وهذا القول من عطاء مسبوق بالإجماع من الصحابة، والأخبار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتاله في الأشهر الحرم، وإرساله سراياه فيها» .
(٢) في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٤١) .
(٣) هذا الذي عليه المحققون من العلماء، ورجَّحه وانتصر له ابن القيم في «زاد المعاد» (٣/ ٣٤٠) .

<<  <   >  >>