للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان يسبي بعضهم بعضاً ويؤدونه، قال: لا بأس به، يجيء به من حيث شاء، وكذلك قال إسحاق (١) .

وقال أبو حنيفة (٢) : «لا خير في الصلح على أن يؤدوا ذلك من أبنائهم، ولا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا من ذراريهم أحداً؛ لأن الصلح وقع عليهم وعلى ذراريهم» .

قال ابن حبيب: إن كان شرط أهل الحرب في عقد الصلح على الجزية أن يبيعوا في جزيتهم ما شاؤوا من أبنائهم، أو مَنْ قهروه مِنْ كبارهم: فذلك جائزٌ إذا عقده عليهم رؤساؤهم وبطارقتهم في أصل الصلح، وإن لم يكن ذلك شرطاً في أصل الصلح: لم يجز، وكان العهد لجميعهم واحداً، قال: وهكذا سمعت مُطرِّفاً وابن الماجشون يقولان، وقاله غيرهما من أصحاب مالك (٣) .

فصلٌ: في المهادنة والصلح، وهل يجوز ذلك أو يمنع؟

قال الله -تعالى-: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: ٦١] ، وقال -تعالى-: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] .

فاختلف أهل العلم في حكم الآيتين: هل نسخت إحداهما الأخرى؟ وما الناسخ منهما والمنسوخ إن كان كذلك؟ أو: هل هما محكمتان؟ وعلى أي وجه مع ذلك تُحملان؟ وعن هذا نشأ الخلاف في جواز المهادنة ومنعها، على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى-.

فروي عن ابن عباس، أن آية الجنوح للسلم منسوخة بقوله -تعالى-: {فَلاَ


(١) انظر: «المغني» (١٣/١٥٥) ، «الفروع» (٦/٢٥٦) .
(٢) انظر: «الأوسط» (١١/٣٣٥-٣٣٦) ، وقد نقل منه مذهب أبي حنيفة وأحمد.
(٣) انظر: «النوادر والزيادات» (٣/٣٤٢) . وفيه أن الكلام السابق منقول عن سحنون وليس عن ابن حبيب.

<<  <   >  >>