«وقد كان معاهداً قبل ذلك، ثم هجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقتله الصحابة غيلة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونه قد أمّنهم على دمه وماله؛ لاعتقاده بقاء العهد، ولأنهم جاؤوه مجيء من قد آمنه، ولو كان كعب بمنزلة كافرٍ محاربٍ فقط لم يجز قتله إذا أمّنهم كما تقدم؛ لأن الحربي إذا قلت له، أو عملتَ معه، ما يعتقد أنه أمانٌ؛ صار له أمانٌ، وكذلك كل من يجوز أمانه، فعلم أن هجاءه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأذاه لله -تعالى- ورسوله؛ لا ينعقد معه أمانٌ ولا عهدٌ، وذلك دليلٌ على أن قتله حدٌّ من الحدود؛ كقتل قاطع الطريق، إذ ذلك يقتل وإن أُومِن كما يقتل الزاني والمرتد وإن أُومِن، وكل حدٍّ وجب على الذمي فإنه لا يسقط بالإسلام وفاقاً» . اهـ ومعلوم أن كعب بن الأشرف كان له هُدنةٌ. قال السبكي في «السيف المسلول على من سبّ الرسول» (ص ٢٩٤) : «ومن ادعى أنه كان حربياً؛ فلا علم له، هذا متفق عليه بين أهل السِّير» . وانظر: «الأم» (٤/١٩٩- كتاب الجزية) . وقال السهيلي: «في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سبَّ الشارع، خلافاً لأبي حنيفة» ، لكن اعترض عليه الحافظ في «الفتح» (٧/٣٤٠) بأنَّ كعب بن الأشرف كان محارباً، استدلالاً منه بتراجم البخاري، ويعارض هذا الاعتراض بما نقلناه عن السبكي من اتفاق أهل السير على أنه كان موادعاً. (٢) انظر: «المعلم بفوائد مسلم» (٣/٢٩ رقم ٨٤٨) للمازري، «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٦/١٧٦) .