وإنَّما حَملَنَا على مَا بَيَّنَّا في هذا الكتاب من قولِ الفُقهاءِ وَعِللِ الحديثِ، لأنَّا سُئلْنا عن هذا، فلم نَفْعلْهُ زمانًا، ثمَّ فَعلْناهُ، لِما رَجَوْنا فيهِ من مَنْفعةِ النَّاسِ، لِأنّا قد وَجَدْنا غيرَ واحدٍ من الأئِمةِ تَكلَّفُوا من التّصْنيفِ ما لم يُسْبقُوا إليه، منهُمْ هشامُ بن حسَّانَ، وعبد الملكِ بن عبد العزِيزِ بن جُرَيْجٍ، وسعيدُ بن أبي عَرُوبةَ، ومالكُ بن أنسٍ، وحَمَّادُ بن سَلمةَ، وعبد اللهِ بن المُبَاركِ، ويحيى بن زَكريَّا بن أبي زَائدةَ، ووكيعُ بن الجرَّاحِ، وعبد الرحمن بن مَهْديًّ، وغيرُهُم من أهلِ العلمِ والفَضلِ صَنَّفُوا، فجعلَ اللهُ في ذلكَ مَنْفعةً كثيرةً، ولهُم بذلك الثَّوَابُ الجَزيلُ عند اللهِ لِما نَفعَ اللهُ المسلمينَ بهِ، فهُم القُدوةُ فيما صَنَّفُوا.
وقد عابَ بعضُ من لا يَفْهمُ على أهلِ الحديثِ الكلامَ في الرِّجالِ، وقد وَجَدْنا غيرَ واحدٍ من الأئِمة من التَّابِعينَ قد تَكلَّمُوا في الرِّجالِ، منهُم الحسنُ البَصريُّ، وطاووسٌ، تكَلَّما في مَعْبَدٍ الجُهنيَّ، وتَكلَّمَ سعيدُ بن جُبَيْرٍ في طَلْقِ بن حَبِيبٍ، وتكلّمَ إبراهيمُ النَّخَعيُّ وعامرٌ الشّعْبيُّ في الحارثِ الأعْوَرِ.
وهكذا رُوِي عن أيُّوبَ السَّختيانيِّ، وعبد اللهِ بن عَوْنٍ، وسليمانَ التَّيْميِّ، وشعبةَ بن الحجَّاجِ، وسفيانَ الثَّوْريِّ، ومالكِ بن أنسٍ، والأوزاعيِّ، وعبد اللهِ بن المُبَاركِ، ويحيى بن سعيدٍ القطَّانِ، ووكيعِ بن الجرَّاحِ، وعبدِ الرحمنِ بن مَهْديٍّ، وغَيرِهمْ من أهلِ العلمِ تَكلّمُوا في الرِّجالِ وضَعَّفُوا.