قال الإمام: وهذا عندنا هفوة، لأن المقر به متعدد مختلف، الدليل عليه أنه لو شهد على [كل] إقراره بألف منسوب إلى جهة شاهدان، ليثبت الألفان- فالوجه القطع بأنه لا يثبت شيء، ولا سبيل إلى تلفيق هاتين الشهادتين.
نعم: لو ادعى ألفا مطلقًا، فشهد شاهد بألف مطلق، وآخر بألف من جهة قرض مثلًا، هل تلفق الشهادتان؟ فيه خلاف، والأظهر: أنها تلفق، ويثبت الألف.
قلت: وما أجاب به القاضي يظهر أن يكون مأخذه أن اختلاف الجهة لا يمنع من المطالبة، كما هو الصحيح، وقد حكاه الإمام في كتاب الإقرار عن الأكثرين، والله أعلم.
قال: وإن شهدا شاهدان على رجلين أنهما قتلا فلانا، وشهد الآخران على الشاهدين أنهما قتلاه، رجع إلى الولي.
الكلام في هذه المسألة يحتاج إن يتقدمه تصويرها، وقد اختلف الأصحاب في صورتها على أوجه:
أحدها: أنها مصورة بما إذا وكل وكيلين في إثبات الدم، وأقام كل [واحد] من الشاهدين اللذين شهدا أولا وآخرًا شهادته بطلب وكيل بعد تحرير الدعوى. وهذا ما حكي عن صاحب التقريب، وعن أبي يعقوب الأبيوردي، وهو مفرع على الصحيح في أن شهادة الحسبة لا تسمع في حقوق الآدميين مطلقًا، ومفرع على أن [التوكيل في الخصومة] من غير تعيين الخصم صحيح، وإلا فقد حكى القاضي الحسين فيما إذا وكل في الدم، ولم يعين المدعى عليه في صحة التوكيل وجهين، وحكاهما في ((التهذيب)) فيما إذا قال للوكيل: ناد على اثنين من هؤلاء الجماعة فادع عليهما، واطلب ثأري منهما، وقال هو والقاضي: إن عمل الحكام والقضاة على الصحة.
الثاني: أنها مصورة بما إذا ادعى الولي على الآخرين القتل، واستشهد بالأولين، فشهدا، ووقعت شهادة الأولين حسبة، وقلنا: لا تسمع شهادة الحسبة في حقوق الآدميين.
وسؤال الولي إنما كان لأن شهادة الآخرين أورثت شبهة فاحتاط لأجلها