والقاضي الحسين جزم- على القول بالاكتفاء بمسمع واحد- بأن القاضي والخصمين إذا كانوا صماً، [بأنه] لابد من اثنين.
ثم قال الإمام: إن محل الوجه الثالث إذا لم يكن الحضور مأمورين من القاضي بالإصغاء ومراقبة الحال.
ولو كان المحتاج إلى المسمع الخصم خاصة لثقل سمعه- فعن "جمع الجوامع" للقاضي الروياني: أنه لا حاجة فيه إلى العدد. وهو معزي إلى القفال، وذلك قضية ما ذكرناه عن الماوردي [في المترجم، والله أعلم].
قال: وإذا حكم الحاكم بحكم، فوجد النص، أي من الكتاب، أو السنة المتواترة أو المنقولة بالآحاد، أو الإجماع، أو القياس الجلي، أي: على اختلاف أنواعه التي سنذكرها بخلافه نقض حكمه؛ لأن الاجتهاد إنما يسوغ إذا لم يكن هناك مخالفة نص كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس غير محتمل، فإذا حكم باجتهاده في مثل ذلك كان مردوداً كما لو حكم بطريقة لا تصح في الشرع.
وقد ادعى الماوردي في حالة قيام الإجماع: أن النقض مجمع عليه من الخصوم.
واستدل هو وغيره على النقض في حالة وجود النص بقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَدْخَلَ فِي دِيْنِنِا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدُّ" ويروى: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ". وبآثار وردت عن عمر- رضي الله عنه- في هذا الباب اشتهرت ولم ينكرها أحد؛ فكان إجماعاً، منها ما ذكرناه من قبل أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري:"لا يَمْنَعَّكَ قَضَاءُ قَضَيْتَهُ، ثُمَّ رَاجَعْتَ فِيْهِ نَفْسَكَ فَهُدِيتَ الرُّشْدَ- أَنْ تَنْقُضَهُ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الحَقِّ خَيْرُ مِنَ التَّمَادِي فِي البَاطِلِ".
ولأن الكتاب والسنة أصل الإجماع؛ لأنه لا يجوز أن ينعقد على [ما] يخالفهما، فلما نقض حكمه بمخالفة الإجماع كان نقضه بمخالفة الكتاب والسنة أولى.