وإن حفظ النسخة في خزائنه، ووثق بأنه لم يحرف، بل أولى؛ لأن الحكم أغلظ لما فيه من الإلزام، بخلاف الشهادة.
[فإن قيل]: قد قلتم: إن الراوي يجوز له في الرواية الاعتماد فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على النسخة إذا وثق بها، فهلا كان القضاء [مثله]؟
قلنا: لنا في الرواية وجهان:
أحدهما- ما صار إليه الصيدلاني، وحكاه الرافعي عن رواية المصنف-: أنه لا يحل للمحدث إلا رواية ما حفظه وتذكره؛ فليرو كذلك أو ليترك؛ وعلى هذا اندفع السؤال.
والثاني: جواز ذلك كما ادعيتم، وهو الصحيح.
وعلى هذا: فالفرق أن أمر الرواية أسهل؛ ولهذا تسمع من العبد، بخلاف القضاء والشهادة.
وقد سوى الشيخ أبو محمد بين الشهادة والرواية في الاعتماد على الخط عند الوثوق به، وحكى الرافعي عنه وعن غيره أنه طرده في القضاء، قال الغزالي: وما ذكره أقرب مما ذكره الصيدلاني.
وكما لا يجوز اعتماد القاضي فيما حكم به على الخط والختم ما لم يتذكر، لا يجوز اعتماده فيه على شهادة شاهدين شهدا عنده بأنه حكم به؛ لأنه يمكنه أن يذكر ذلك ويصل إلى اليقين؛ فلا يرجع إلى الظن؛ ولهذا لو شهد عنده شاهدان بأنه صلى لم يرجع إليهما، وإن كان حق الله- تعالى- أخف؛ لأنه مبني على المسامحة، وأيضاً فإن الشهادة أخف من الحكم ولو شهد عند الشاهد شاهدان بأنه شهد بحق، لم يجز أن يشهد به حتى يتذكر؛ فالحكم أولى.
وفي "الإشراف "والرافعي" أن ابن القاص قال: إنه يجوز له الحكم إذا شهد عنده بأنه حكم؛ لأن الشافعي- رضي الله عنه- قال: "وينظر القاضي في المحضر، فإن لم يتذكر شهدوا عليه". والمذهب: الأول، والضمير في قول الشافعي- رضي الله عنه-: