للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنما هم عبدة أوثان – نبذ إليهم عهدهم، قال البندنيجي والمصنف وغيرهما، وقال الإمام إنا نتبين أن الذمة غير منعقدة، ونعاملهم معاملة عبدة الأوثان، لكن هل نغتالهم أو نلحقهم بدار الحرب؟ فيه تردد، والظاهر: الأول، وبه جزم القاضي الحسين في "تعليقه"؛ لأنهم دخلوا على بصيرة بفساد الأمان فلا يعذروا.

وهكذا الحكم فيما إذا اعترفوا كلهم بأنهم أهل وثن، ولو اعترفوا بعضهم دون بعض عومل كل منهم بمقتضى قوله.

قال: ولا يصح عقد الذمة إلا بشرطين: التزام أحكام الملة، أي: يلزموا أن تجري أحكام ملة الإسلام عليهم من غير تصريح بحكم حكم منها، كما صرح به البندنيجي.

قال: [وبذل الجزية]، أي: التزام بذل الجزية في كل سنة. وذلك بأن يقول الإمام أو نائبه. أقررتكم، أو: أذنت لكم في الإقامة في دار الإسلام، على أن تنقادوا لأحكام الإسلام، وتبذلوا في كل سنة كذا وكذا، ويقول الذمي: قبلت، أو: رضيت [بذلك]، أو يبتدئ الكافر فيقول: أقررني بكذا على شرط كذا، فيقول له الإمام أو نائبه: أقررتك.

ووجه اعتبار الشرطين قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية} [التوبة: ٢٩] أي: يلتزموها كما تقدم بيانه، {عن يد} أي: عن قوة وبطش، أو: عن منة لكم عليهم بإبقائهم وحقن دمائهم؛ لأن "اليد" يعبر بها عن القدرة والمنة جميعاً، {وهم صاغرون} أي: بالتزام أحكام الإسلام، كما فسره الشافعي – رضي الله عنه – في "الأم" وغيرها، وقال الأصحاب: أنه أصح الأقوال في التفسير؛ لأن الحكم على الشخص بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله أشد صغارا، وهذا كما يقال: آخذ حقي منك وأنت صاغر.

ومن جهة المعنى: أن الجزية مع الانقياد والاستسلام كالعوض عن التقرير، فيجب التعرض له كالثمن في البيع، والأجرة في الإجارة، وهذا هو الصحيح، وقال القاضي الحسين بعد حكاية أنه لا بد من [ذكر] الشرطين كما ذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>