ومنهم من قال: يكون ما بعد ولادة الثاني- والصورة كما ذكرنا- دم حيض.
وقد حكى الوجهين القاضي الحسين، وكذا الإمام قال: إنهما مفرعان على قولنا: إن ما رأته الحامل من الدم قبل الوضع يكون دم فساد، أما إذا قلنا: إنه يكون حيضاً، فهنا أولى.
والفرق: أن الغالب في الحامل أنها لا ترى دماً لانسداد فم الرحم، فإن رأته فقد تقدر أنه دم فساد؛ لندوره فنزل منزلة ما تراه الصبية قبل التسع، فأما إذا ولدت وانفتح فم الرحم فاسترخاء الدم من الرحم ليس بدعاً؛ بل النادر ألا ترى دماً [إذا ولدت].
قال: ثم إذا جعلناه حيضاً، فلو كان بين ما رأته قبل الولادة وبعدها أقل من أقل الطهر لم نحكم بأنه حيض؛ [إذ التفريع على أنه حيض] يوجب مراعاة أحكام الحيض فيه، وهذا بعيد عن التحصيل، وبه يظهر ضعف ما فرع عليه.
والثاني: من عقيب ولادة الثاني، وهو المذهب في "تعليق البندنيجي"، والأصح في "الكافي" وكذا عند الشيخ أبي محمد والبغوي وأصحابنا العراقيين، كما قال الرافعي.
فعلى هذا ما رأته من الدم قبل ذلك، هل يكون دم فساد أو حيض؟ فيه الوجهان.
قلت: والوجهان في الأصل يشبه أن يكون مأخذهما: أن الدم الخارج مع الولد هل يكون نفاساً أو لا؟ لأن بقاء الولد الثاني بمنزلة بقاء بعض الولد الأول.
وكذلك أجراهما المتولي فيما لو أسقطت عضواً من الولد، ورأت الدم بعده.
والثالث- وهو الأصح عند الإمام والمتولي، والمختار في "المرشد" – أن لكل ولد نفاساً، فإن تم نفاس الأول قبل ولادة الثاني، ابتدأت للثاني نفاساً كاملاً، وإن ولدت الثاني قبل استكمال نفاس الأول، دخلت بقية النفاس الأول في الثاني، كما في العدة.
قال: وإذا نفست المرأة- أي: رأت دم النفاس- حرم عليها ما يحرم على الحائض- أي: حتى تمكين الزوج أو السيد من الاستمتاع بها فيما بين السرة والركبة أو بالوطء فقط- ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض- أي: إذا نفست غالب النفاس أو أكثره- ووجه ذلك: أنه دم حيض احتبس لأجل الحمل؛ فكان خروجه مجتمعاً كخروجه في وقته؛ ولهذا قال الأصحاب: إنه يحرم على الزوج الطلاق فيه، وبه صرح