للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لقاتل وصيةٌ"؛ كما خرجه الدارقطني عن رواية علي.

ولأنه مال يملك بالموت؛ فاقتضى أن يمنع منه كالميراث، على أن الميراث أقوى التمليكات، فلما منع منه القتل كان أولى أن يمنع من الوصية.

وصحت في الآخر، وهو الأصح؛ لعموم قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٤]، ولم يفرق بين القاتل وغيره.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارثٍ"؛ فإنه يدل على أن الوصية للأجنبي صحيحة، وسواء كان قاتلا أو غيره.

ولأنه تمليك يفتقر إلى القبول، فلم يمنع منه القتل؛ كالبيع والإجارة.

وما ذكر من الخبر، فقد قال أهل الحديث - ومنهم عبد الحق-: "وإنه ضعيف"، فيه مبشر بن عييد وغيره.

ثم إن صح، حملناه كما قال القاضي أبو الطب على الميراث؛ لأن اسم الوصية يقع عليه؛ قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] وأراد به: الميراث.

والجواب عن القياس على الميراث؛ بعلة استحقاقه بالموت، وهو منتقض بعتق أم الولد إذا قتلت سيدها، وحلول الدين إذا قتل رب الدين المدين، وأما الجواب عن قولهم بأن الميراث أقوى من الوصية، فممنوع؛ لأن الوصية ثبتت فيما لا يثبت فيه الميراث؛ لأنها تصح من المسلم للذمي، ولا يرث الذمي من المسلم.

وفي "رفع التمويه": أن الأستاذ أبا منصور البغدادي قال في "الناسخ والمنسوخ": إنه ينظر: إن كان قتله بحق من قصاص أو غيره، صحت الوصية له، وإن كان قتله ظلما فهو محل القولين.

وهذه الطريقة حكاها الرافعي عن صاحب التلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>