واعلم: أنه لا فرق فيما ذكره الشيخ بين أن يعترف الجاني بحرية اللقيط وإسلامه أو يجحدهما، ويجيء فيه قول آخر- بناءً على مأخذ صاحب "الحاوي"، وأبي الطيب بن سلمة-: أنه لا يجب القصاص، وعلى مأخذ صاحب "التقريب": إن بلغ فأعرب بالإسلام، بان وجوبه، وإلا بان عدمه.
قال:"وإن بلغ، فقذفه رجل، وادعى بأنه عبد، وقال اللقيط: بل أنا حر- ففيه قولان" أي: منصوصان في "المختصر":
أصحهما: أن القول قول القاذف" أي: في درء الحد؛ لأنه يحتمل أن يكون عبداً، والأصل براءة الذمة من الحد مع أنه يسقط بالشبهة، وهذا ما نص عليه في اللعان.
ومنهم من جزم به؛ بناءً على أن اللقيط غير محكوم بحريته ظاهراً، فعلى هذا يجب عليه التعزير.
والقول الثاني: أن القول قول اللقيط؛ لأنا حكمنا بحريته ظاهراً؛ فلا ننقضها بالدعوى.
وأيضاً: فكما وجب القصاص بالجناية عليه فكذلك يجب الحد بقذفه. وهذا ما نص عليه هنا، واختاره المزني، وصححه الشيخ أبو علي، ومنهم من قطع به، وحمل الأول على مجهول لم تعرف حريته بالدار.
ومن جزم بالأول، فرق بين القذف والقتل إن سلّم وجوبه: بأن المقذوف حي يمكنه إقامة البينة على حريته؛ فإذا عجز عنها، ضعف حاله، والمقتول لا يقدر على إقامة البينة بعد قتله؛ فعمل فيه ظاهر حاله كالدية.
ولا خلاف أن اللقيط لو سكت بعد القذف، ولم يدع الحرية، وطالب بالحد: أنه لا يجب، صرح به الماوردي وغيره.
قال: "وإن جنى عليه حر" أي: بأن قطع طرفه، وقال: أنت عبد، وقال: بل أنا حر- فالقول قول اللقيط، فيحلف، ويقتص منه؛ لأن القصاص وجب من جهة الظاهر والقيمة مشكوك فيها، فلو تركنا القصاص إلى الدية عدلنا من الظاهر إلى مشكوك فيه، وذلك ممتنع. وتخالف المسألة قبلها؛ لأن التعزير ثَمَّ واجب،