الطيب أن ابن عباس قال: أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل، وهو قريب من الأول.
فإن قيل: الله تعالى ذكر الرشد منكَّراً وأثبته، والنكرة في الإثبات لا تعم؛ فمتى وجد منه شيء من الرشد وجب أن يدفع إليه ماله، لكن قام الإجماع على [أن] إيناس الرشد في الدين عند البلوغ من التبذير في المال لا يكفي؛ فتعين أن يكفي الرشد [في المال] وإن كان سفيهاً في الدين كما صار إليه أبو حنيفة.
قلنا: قد حكاه المتولي عن بعض أصحابنا، والمذهب الأول، ودليله أن الآية اقتضت وصفه بالرشد، ومن كان فاسقاً في دينه وصف بالغي، [ومن وصف بالغي] لا يوصف بالرشد؛ لأن الرشد والغي صفتان متضادتان لا يجوز اجتماعهما، ولأنه لا يؤمن من تبذيره في المال؛ فإنه إذا فسق بارتكاب المعاصي لا يؤمن أن يبذر ماله أو يضيعه؛ فلم يكن لرشده مع فسقه [حكم]، وهذا كما قلنا في رجل معروف بصدق اللهجة لا يكذب، وكان يشرب الخمر؛ فإنه لا تقبل شهادته؛ لأنه غير موثوق به، كذلك هاهنا.
ثم المراد بالرشيد في الدِّين: ألا يرتكب من المعاصي ما يخرجه عن حيز العدالة، وإن أتى بما يسقط المروءة كالأكل في السوق ونحوه، كذا قاله ابن الصباغ وغيره، وهو بناء على المشهور من أن تعاطي هذه الأشياء ليس بمحرم، وسماعي من شيخ المشايخ قاضي القضاة تقي الدين [أبي عبد الله] محمد بن رزين – رحمة الله عليه – أنه سمع من بعض علماء الشام أن تعاطي ما ترد به الشهادة من الأكل في الأسواق ونحوه هل حرام أم لا؟ فيه ثلاثة أوجه للأصحاب.
ثالثاً: إن كان قد تحمل شهادة حرم عليه [تعاطي ذلك]؛ لأن فيه سعياً في إبطال شهادته المتعلق بها حق الغير، وألا فلا، فعلى وجه التحريم ينبغي أن يكون كسائر المحرما، وقد حكاه الماوردي وجهاً، لكن مأخذه أن الشافعي