إن الدين لا يمنع الزكاة، وضاقت التركة عنهما- ففيه ثلاثة أقاول:
أحدها: يقدم الدين؛ لأنه حق آدمي، وهو مبني على المضايقة والمشاححة؛ فقدِّم على حق الله المبني على المساهلة والمسامحة؛ كما يقدم القصاص على القتل في الردة، والقطع في السرقة.
والثاني: يقدم الزكاة؛ لقوله - عليه السلام - في الخبر الذي سنذكره [في الحج]: "فدين الله أحق بالقضاء"، ولأن مصرفها الآدميون؛ فكأنها حقوق لهم، وهي معتضدة بحق الله - سبحانه وتعالى - فرجحت على محض حق الآدمي، وتخالف القصاص والقتل في الردة والقطع في السرقة؛ فإنها عقوبة محضة لا تعلق لها بالآدمي، وهي مما يسقط بالشبهات، بخلاف حق الآدمي، وهذا أظهر في "الرافعي" وأصح عند النواوي.
والثالث: يقسم بينهما، أي: على النسبة؛ كما يفعل في الدينين إذا ضاقت التركة عنهما لتساويهما في الوجوب، وهذا أقيس في "تعليق" القاضي الحسين.
ثم محل الأقوال بالاتفاق عند عدم المال [الذي] وجبت فيه الزكاة، والدين مرسل في الذمة [لا يتعلق] بشيء من التركة في الحياة، وبذلك صور البندنيجي في باب زكاة الفطر محلها حيث قال: اختلف قول الشافعي في حق الله تعالى وحق الآدمي إذا اجتمعا وتعلقا بمحل واحد، مثل أن تعلقا معا بالذمة، أو تعلقا بالعين [ففيها] ثلاثة أقوال.
أما إذا كان موجوداً وهو نفس التركة؛ ففيه طريقان:
أحداهما: القطع بتقديم الزكاة، وهي التي ذكرها في "التهذيب" في كتاب الجنائز، [وهو] الذي تقتضيه طريقة العراقيين أيضاً؛ لأن الزكاة تعلقت بالعين في حال الحياة عندهم قولاً واحداً إما تعلق شركة أو تعلق رهن، وكل منهما يقدم على الدين الذي لا تعلق له بالعين في حال الحياة أصلاً. نعم لو كان ما وجبت فيه الزكاة مرتهناً بدين