وأما القاضي الحسين فإنه حكى في باب رهن الماشية ما حكيناه من طريقة البندنيجي، وقال في موضع آخر بعد ذلك: إن الزكاة مقدمة من غير فصل بين أن يكون الواجب من جنس المال كالشاة من الأربعين، أو من غيره كالشاة عن الخمس من الإبل، وهو الذي ذكره المتولي، قال القاضي: لأنا إن قلنا: [إن] الزكاة في العين كاستحقاق جزء فحق الشريك مقدم على حق المرتهن وإن قلنا: كأرش الجناية؛ فأرش الجناية مقدم على حق المرتهن وإن قلنا: كتعلق حق الرهن؛ فتعلق الزكاة بالعين أخص، بدليل أنه تسقط الزكاة بتلف العين؛ فأشبه أرش الجناية، وتعلق حق المرتهن لا يسقط بتلف العين. وهذا ما أبداه الإمام احتمالاً، بعد أن حكى عن شيخه القطع بتقديم حق المرتهن إذا قلنا: إن تعلق الزكاة بالعين كتعلق الرهن، [وأبدى احتمالاً]- وإن ناقضه كلامه المتقدم- بأنا إنما قدمنا أرش الجناية؛ لأن تعلقه بالرقبة لا يستدعي اختيار الراهن؛ فإذا كان تعلق الأرش يزحم حق المالك في ملكه فكذلك يزحم حق المرتهن في وثيقته، والرهن إنما يمنع الراهن من اختيار تصرف ينافي ما التزمه للمرتهن من حق الاختصاص؛ فأما ما يثبت من غير اختيار فينبغي أن يزاحم [حق] المرتهن، وكيف يستقيم الحكم بوجوب الزكاة والمالك لا مال له غير المرهون، ثم يد الساعي مقبوضة عن تتبع المال الذي وجبت الزكاة بسببه؟ هذا ما لا يكون، وقد حكينا وفاق الأئمة على أن للساعي إذا لم يجد بائع مال الزكاة- وقد صححناه؛ بناء على تعلقه بالذمة- أن يأخذ الزكاة من المال، ويبطل البيع في ذلك المقدار، وبه تبين أن غرض الأئمة من قولهم: إن التعلق كتعلق الرهن، أو كتعلق أرش الجناية- إنما هو في البيع. فأما إن قلنا: إنه كالرهن، امتنع قولاً واحداً، وإن قلنا: كأرش الجناية، كان فيه قولان. نعم، إذا أخرجت الزكاة من المال، ثم أيسر الراهن فهل يلزمه أن يرهن مقدار الزكاة جبراً للنقص الذي وقع في المرهون بأخذ الزكاة منه؟ قال الصيدلاني- وهو في "تعليق" القاضي الحسين منسوب إلى القفال-: إن قلنا: الزكاة تتعلق بالذمة؛ فيجب ذلك عليه، وإن قلنا: تتعلق بالعين،