للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه الأرش فيما (١) فيه الأرش؛ لأن هذا لا يمتنع (٢) منه، وهو يخاف إن لم يفعل أن يقتله أو يصنع به بعض ما وصفت لك، فهو مثل المكره فيما يجب على الآمر من (٣) ذلك. وإنما الذي وصفت لك أنه يكون على المأمور دون الآمر الذي لا يخاف منه شيئاً (٤) إن عصاه أو الذي يعلم أنه لا يقدم عليه إلا بحبس أو قيد أو شتم (٥) أو نحو ذلك، فهذا إن أقدم على الرجل فقتله كان القود عليه دون الآمر؛ لأن الآمر صار في هذه الحالة بمنزلة من لا سلطان له.

ولو أن رجلاً أكره بتهدّد بقتل أو قطع عضو من الأعضاء أو ضرب يخاف منه تلفاً (٦) حتى يفتري على رجل مسلم ففعل رجوت أن يكون في سعة من هذا، ولا يشبه هذا قتله ولا ضربه؛ لأن هذا ليس بفعل يفعل به. ألا ترى أنه لو أكره بتهدد بقتل حتى يكفر بالله ففعل وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكن عليه شيء، فالكفر شتم منه لربه فهو أعظم من شتم المخلوق. ألا ترى أنه لو أكره على شتم محمد - عليه السلام - بقتل كان في سعة إن شاء الله، فهذا أعظم من قذف امرئ مسلم.

ولو أن رجلاً تهدّد (٧) بقتل حتى يكفر أو يشتم محمداً - صلى الله عليه وسلم - أو يقذف امرًا مسلماً فلم يفعل حتى قتل كان إن شاء الله مأجوراً، وكان ذلك أفضل من إقدامه عليه وإن كان ذلك واسعًا. ولو تهدد بقتل أو بقطع اليد أو بضرب يخاف منه التلف حتى يشرب الخمر أو يأكل لحم الخنزير أو الميتة فلم يفعل حتى يقتل أو يفعل به ذلك خفت أن يكون آثماً؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (٨)، فهذا مضطر بمنزلة الذي يخاف الموت على نفسه من العطش والجوع إن لم يأكل أو


(١) ز: مما.
(٢) ز: لا يمنع.
(٣) ز: مثل.
(٤) ز: شي.
(٥) ز: أو اشتم.
(٦) ز: تلف.
(٧) ز: يهدد.
(٨) يقول تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة البقرة، ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>