ذِكْرِهِ، فإِذَا اسْتَلَذَّ الذِّكْرَ فَتَحَ عَلَيْهِ بَابُ القُرْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى مجَالسِ الأُنْسِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ علَى كُرْسِيِّ التّوحيدِ، ثُمَّ رَفَعَ عَنْهُ الحُجُبَ، وأَدْخَلَهُ دَارَ القُرْبِ، وكَشَفَ لَهُ الجلاَلَ وَالعَظَمَةَ، فإِذَا وقَعَ بَصَرُهُ علَى الجلاَلِ وَالعظمةِ خرَجَ مِنْ حِسِّهِ ودَعَاوَى نَفْسِه، ويَحْصُلُ حِينَئِذٍ فِي مقَامِ العِلْمِ بَاللَّهِ فَلاَ يَتَعَلَّمُ بِالخَلْقِ بَلْ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ لَهُ وَتَجَلِّيهِ لِقَلْبِهِ حِينَئِذٍ، فَيَسْمَعُ مَا لَمْ يُسْمَعْ، ويَفْهَمُ مَا لَمْ يَفْهَمْ.
ص: وَدَنِيءُ الهِمَّةِ لاَ يُبَالِي فَيَجْهَلُ فوقَ جهلِ الجَاهلينَ ويدخُلُ تحتَ رِبْقَةَ المَارِقِينَ.
ش: دَنِيءُ الهِمَّةِ ـ وهو مِنْ جُنْحِ إِلَى سَفَاسِفِ الأُمُورِ وَعَدَلَ عَنْ معَالِيهَا ـ لاَ يُبَالِي هَلْ قَرَّبَهُ اللَّهُ أَو أَبْعَدَهُ، فَلاَ يَتَعَلَّمُ أَمْرَهُ ولاَ نَهْيَهُ، ولاَ يَعْمَلُ بمقتضًى وَاحدٍ مِنْهُمَا لو عَلِمَهُ، ولاَ يُبَالِي مَا اكْتَسَبَ مِنَ المَالِ هَلْ هو مِنْ حِلٍّ أَو حَرَامٍ، ولاَ مَا عَمَلَ مِنَ الأَعمَالِ هَلْ يُوَافِقُ الشَّرْعَ أَمْ لاَ/ (٢٥٨/ب/م)، ولاَ يُبَالِي فِي أَفعَالِهِ هَلْ تُسْخِطُ الرَّبَّ أَو تُرْضِيه قَد أَعْرَضَ عَن أُخْرَاهُ وَانْهَمَكَ فِي دُنْيَاهُ.
وَقَدْ قَالَ العلمَاءُ: إِنَّ الخَسِيسَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ، وأَخَسُّ الأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ.
ص: فَدُونَكَ صَلَاَحًا أَو فسَادًا وَرِضًا أَو سَخَطًا وقربَا أَو بُعْدًا وسَعَادَةً أَو شَقَاوَةً وَنَعِيمًا أَو جَحِيمًا.
ش: هذَا خِطَابٌ لِمَنْ عَلِمَ الفَرْقَ بَيْنَ الحَالَتَيْنِ وَتَضَمَّنَ قَوْلَهُ (دُونَكَ) تَحْذِيرًا وإِغرَاءً فَالإِغرَاءُ للصلاَحِ وَالرِّضَى وللقُرْبِ وَالسعَادةِ وَالنعيمِ.
وَالتحذيرُ لمقَابلِهَا أَي: بعدَ أَنْ عَرَفْتَ الطَّرِيقَيْنِ فَاسْلُكْ طَرِيقَ الهُدَى وَاحْذَرْ طَرِيقَ/ (٢٠٦/أَ/د) الضلالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute